Author

البيئة الاستراتيجية وتحقيق «رؤية 2030»

|
تعد البيئة الاستراتيجية أحد مكونات العوامل الثلاثة لتحقيق أي استراتيجية، وهي البيئة الاسراتيجية، والعقلية الاستراتيجية، والخطة الاستراتيجية ذاتها. وتتصف البيئة الاستراتيجية بعدد من الصفات ويمكن الحديث هنا عن صفة التعقيد والتشابك، والمقصود هنا بالتعقيد هو تعدد الفاعلين، ففي الخطة الاستراتيجية مثلا لتحقيق هدف ما يلزم وجود أدوات وسلوك طرق من أجل تحقيق ذاك الهدف، ولذا الأخذ بعين الاعتبار تعدد الفاعلين والتعقيد الذي تتسم به حياتنا اليومية، نجد أن بعض المدخلات الصغيرة، قد تتسبب في مخرجات لا يمكن التنبؤ بها، ومن هنا تبرز أهمية تحليل السياسات والقرار، لقياس تأثيره في المنظومة والبيئة الاستراتيجية. يتناول الخبير العالمي هاري ياجر في حديثه عن البيئة الاستراتيجية إنها "أم المنظومات" وذلك بقصد تأكيد تعقيدها وتأثيرها، وهي مكونة من مجموعة منظومات معقدة ومرتبطة فيما بينها أفقيا وعموديا. وهكذا فإن البيئة الاستراتيجية تفرز سلوكا معقدا ينظم نفسه بنفسه، وهي تسعى باستمرار لإيجاد نظام مقبول أو توازن نسبي تستطيع أن توجد فيه وتحقق الأهداف المرسومة. وينشأ تعقيد البيئة من قرارات أو أفعال وتفاعلات ناجمة عن تلك القرارات أو من الظروف المتغيرة. وتتصرف أجزاء المنظمة وأدواتها العديدة بطريقة فردية أو جماعية تستطيع بعد ذلك تلك المنظومات إيجاد نمط من التفاعلات، والتأثيرات في مصالح بقية المنظومة، وقد تكون بعض تلك التأثيرات غير قابلة للتنبؤ، ولذا فإن ما يسمى (السبب والنتيجة) قد لا يكون قابلا للتطبيق في بيئة المنظومات المعقدة. ولو تناولنا مثالا حول ما يتعلق بجودة الهواء والتلوث، فإن ارتفاع معدلات التلوث، يؤثر في ارتفاع معدلات الأمراض الصدرية، مما يجعل هنالك حاجة لمزيد من الأسرة في المستشفيات والعلاج، ما يؤدي كذلك إلى ازدحام أكثر في الطرق وهكذا من الآثار المترتبة على ذلك، وعند السؤال عن المسؤولية لعلاج مثل هذه المسألة، فإنه يجب التفكير في المنظومة كمجمل، وليس فقط ما يتعلق بدور البلديات، أو تطوير المدن، أو التخطيط. ويجب الإشارة كذلك إلى عامل ذي أهمية في البيئة الاستراتيجية وهي السياسات وأثر السياسات أي أن السياسات لمختلف القطاعات الحكومية من أجل الوصول إلى الرؤية يجب أن تتناغم فيما بينها، كي تضمن عدم تكرار المهمة من جهتين مختلفتين، وكذلك لكي تتعاون الجهات فيما بينها لتحقق التكامل للوصول للأهداف المشتركة، ولتوفير الميزانيات على القطاعات ولتحقيق الفاعلية في التنفيذ. والمنظومات بوجه عام تكون دينامية ومتفاعلة مع بعضها البعض، والمنظومات الإنسانية والاجتماعية خصوصا، تتسم بالدينامية أكثر من سواها، ويصعب السيطرة عليها بسهولة كونها قد لا تكون دائما قابلة للتنبؤ أو لا يمكن تحليلها بمفهوم السبب والنتيجة، حيث تدخل العوامل النفسية الفردية، والنفسية الاجتماعية ضمن مكونات تفاعلها، وقد تكون العلاقات الحاكمة لها أحيانا تعاقدية، أو تراحمية، أو تعاونية. لذا من المهم تفهم تلك المنظومة وعلاقتها مع الزمن، حيث تتكيف المنظومة الإنسانية مع السياسات أو الخطط الجديدة ضمن إطار زمني، وهنا تبرز القيم القيادية في تقليص الوقت اللازم للوصول إلى السلوك الإداري أو التنفيذي الجديد، في تسريع عملية التكيف، من أجل البقاء في تلك الهياكل التي تزداد تطورا ودقة باطراد مع مرور الزمن من أجل تحقيق الأهداف المنشودة. أما عن البيئة الخارجية، فتتسم البيئة الخارجية للمملكة بوجود توترات سياسية وعسكرية، وهذا ما يجب كذلك أخذه في الحسبان تحسبا للمستقبل ومعرفة الاحتمالات المستقبلية الممكنة والمحتملة والمفضلة، وتأثيرها في المنظومة الداخلية، وكيف يمكن التعامل معها كذلك، ولكن من المهم كذلك أن نعرف أن البيئة الخارجية لا تقتصر فقط على الدول بل كذلك، المنظمات الدولية بحسب طبيعتها ونشاطها، وكذلك الفاعلين من غير الدول مثل جماعات الضغط والشركات متعددة الجنسية والعابرة للقارات، وكيف ستتعامل مع "رؤية 2030". لا شك أن فهمنا لهذه المنظومات ضمن "رؤية 2030" سيجعلنا أكثر قدرة على التحكم فيها وحساب مجمل التفاعلات بين مجمل المنظومات الداخلية وكذلك الخارجية، واكتشاف أنماط التفاعلات بينها والعوامل الحاكمة لها، وعلى الرغم من وجود هامش لا يمكن التنبؤ به إلا أن وجود الاستراتيجيات سيضمن تقديم الاستراتيجية، توجها عريضا وهادفا، مع الاحتفاظ بخاصية التكيف والمرونة، حيث يتم توجيه الأفعال لتغيير البيئة نحو الشكل المفضل، ومن هنا جاءت مقولة: الاستراتيجية وثيقة حية. وبالله التوفيق.
إنشرها