Author

تبييض الأموال .. المصيبة المتجددة

|
كاتب اقتصادي [email protected]
"لا أصدق أي نوع من البشر نحن. إننا نلاحق عمليات غسل الأموال في الدليل العام!" بيتر جبسون شخصية في فيلم "مساحات مكتبية" تنافس عمليات تبييض الأموال ومحاربتها وسبل الحد منها، مصائب الاحتباس الحراري والتغير المناخي في الحضور في ساحات الدراسات والبحوث والتحقيقات والإعلام. ومثل الثانية، لا يمر أسبوع، إلا وهناك تقديرات وتحقيقات وتحذيرات وفضائح تخص عمليات تبييض الأموال، التي شكلت في العقدين الماضيين اقتصادا عالميا موازيا. دون أن ننسى، التصريحات "البطولية" التي تصدر هنا وهناك ضد هذه العمليات الإجرامية، ولاسيما بين السياسيين في الغرب. وإذا كان الاحتباس الحراري يشكل فضيحة دائمة للإنسانية كلها، فإن تبييض الأموال بكل أنواعها، هي فضيحة متسلسلة. والسبب، أن هناك شيئا ما يكشف دائما، سواء من خلال مجموعة من العصابات التي يتم القبض عليها، أو عبر وثائق مسربة فاضحة، أو عن طريق ملفات للمصارف يفتضح أمرها إما صدفة أو غير ذلك. تبييض الأموال هو في الواقع جريمة دائمة الحدوث في غالبية مناطق العالم، بما فيها البلدان الغربية التي تقوم بمحاولات شتى للحد منها. بمعنى آخر، ليس هناك بلد بريء من هذه الجريمة، خصوصا في السنوات التي سبقت انفجار الأزمة الاقتصادية العالمية، حين كان العالم الغربي "على وجه الخصوص" متساهلا إلى حد الغيظ في حركة الأموال والاستثمارات المختلفة التي يمر بها المال، ناهيك عن الملاذات الضريبية المالية الآمنة التي باتت مفضوحة لأي متابع بسيط، ولا يتطلب الأمر دولا وحكومات لكي تستخدم أدواتها لفضحها. بعض هذه الملاذات تتبع رسميا بلدانا كبرى من خلال روابط تاريخية معروفة، مهما حولتها إلى أنصاف دول أو أشباهها. أسهم مؤتمر مجموعة العمل المالي في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا المعروف اختصارا بـ "مينافاتف"، في طرح المزيد من المخاوف والأرقام المخيفة عن تبييض الأموال في المنطقة والعالم، على الرغم من تحسن الحرب على هذه العمليات الإجرامية في عدد من البلدان العربية، ولاسيما في منطقة الخليج. وعمليات تبييض الأموال تتأرجح بين الفساد والسرقة وتزييف العملات والعمليات الإجرامية للعصابات المنظمة، وتجارة الرق والدعارة والمخدرات والسلاح، وسرقة المال العام والعمولات غير المشروعة، والمنتجات المقلدة، وتمويل الإرهاب وكل شيء تقريبا. تكفي الإشارة في مجال الإرهاب، على انكشاف أمر حزب الله الإرهابي اللبناني الإيراني عدة مرات، في عمليات تبييض أموال لتمويل أعماله الإجرامية، بما في ذلك تجارته بالمخدرات التي يبرع فيها كما يبرع في قتل الأبرياء. دون أن ننسى، العمليات المرتبطة بصورة مباشرة وغير مباشرة بإيران الممول الأكبر للإرهاب. مؤتمر مجموعة العمل المالي في المنطقة، عزز الأرقام المروعة لتبييض الأموال، بإعلانه أن حجمها يصل سنويا إلى 5 في المائة من الناتج الإجمالي العالمي! و8 في المائة من حجم التجارة العالمية! وماذا أيضا؟ تبييض الأموال يأتي في المرتبة الثالثة من حيث حجم تداول العملات وتصنيع السيارات. ورغم بعض التقدم على الساحة العربية في الحرب على هذه الأموال، فإن حجمها يصل في العالم العربي إلى 25 مليار دولار سنويا، أي ما يعادل 2 في المائة من الناتج الإجمالي العربي! ووفق تقارير دولية متخصصة، فإن تبييض أموال تصل إلى خمسة مليارات دولار، تنتج عنه خسارة تراوح بين 5.6 و 11 مليارا، وفقدان في الدخل يراوح بين ثلاثة و ستة مليارات دولار. إنها أرقام مذهلة حقا، على الرغم من أنها لا تشكل مفاجأة، وتأتي بعد أيام من انفضاح أمر ما يسمى "أوراق بنما" التي ملأت الأجواء. أسهم الرابط المباشر بين تبييض الأموال وتمويل الإرهاب في رفع مستوى الحراك الدولي ضد "المبيضين"، فالأمر لم يعد يختص بتجارة غير شرعية وإنتاج مخز، بل بأمن وأمان شعوب بأكملها. ولا أحد يعرف نصيب الإرهاب من حراك التبييض هذا الذي يبلغ (حسب التقديرات بالطبع) ما بين 950 مليار دولار و1.5 تريليون دولار. بعض الدراسات تشير إلى أن حجم التبييض الكلي للأموال يصل إلى ثلاثة تريليونات دولار وهو ما يعادل 15 في المائة من إجمالي قيمة التجارة العالمية. وفي كل الأحوال، سواء كان نصيب الإرهاب 1 أو 100 في المائة، فإن المسألة ليست قابلة للتهدئة، بل على العكس، المطلوب مزيد من الحراك والتعاون الدولي الواضح لتجفيف منابع تمويل الإرهاب، ولاسيما أن المنطقة العربية أكثر المناطق على مستوى العالم التي تعانيه، سواء من إيران أو عبر عصاباتها من المرتزقة الموجودة هنا وهناك. وفي كل الأحول، هذه الكارثة برمتها تتطلب استراتيجية أكثر فاعلية مما هي عليها الآن، رغم تفعيل الحراك في الآونة الأخيرة، علما بأن بعض الحكومات في الدول الغربية فعَّلت الحراك من حيث المبدأ لملاحقة المتهربين من الضرائب، ولا بأس إن مر في طريقها أولئك الذين يبيضون الأموال لأسباب أخرى متعددة!
إنشرها