Author

إبادة حلب .. جرائم بلا عقاب

|
حلب تحترق، بعد أن دُمر ما أمكن منها، على أيدي نظام بشار الأسد الوحشي. وحلب الصامدة في وجه قوات الأسد وحلفائه من الروس والإيرانيين، لم تكن تتوقع تحرك العالم لنجدتها، لأن التجارب السابقة على مدى خمس سنوات هي عمر الثورة الشعبية الثورية العارمة أكدت هذه الحقيقة. لكنها (أي حلب) لم تتوقع في الحقيقة صمتا مرعبا من هذا العالم على موجة المجازر التي يشنها الأسد والمرتزقة منذ عشرة أيام. دعك من الأمم المتحدة وتنديداتها، ومن المظاهرات الصادقة بالفعل التي انطلقت في هذا البلد أو ذاك استنكارا لهذه المجازر، ومن فوران وسائل التواصل الاجتماعي ضد هذا النظام الوحشي أبا عن ابن، بسبب هذه الهجمة الجديدة على حلب. إنها كلها مواقف متوقعة تظهر في مثل هذه المحن. لكن ماذا كان أثرها؟ لا شيء. تعاطف جميل في مشهد قبيح. وكالعادة جاء الحراك السياسي الأمريكي كما كان دائما. هو في الواقع أقرب إلى حالة تحليلية للموقف منها إلى وضعية التحرك. ورغم كل ما يصدر عن إدارة باراك أوباما بهذا الخصوص، لم يغير في الحالة شيئا. طلب الأمريكيون من رئيس روسيا فلاديمير بوتين أن يتدخل لدى الأسد لوقف عملياته الوحشية ضد هذه المدينة الصامدة. ماذا حدث؟ رد بوتين رسميا وعلنا، بأنه لن يطلب من رئيس نظام القتل أن يتوقف. وكيف له أن يطلب التوقف منه، وطائرات بوتين نفسها تسهم جنبا إلى جنب مع مقاتلات الأسد في إتمام المجازر التي تحدث على الأرض. ناهيك عن المجرمين الإيرانيين الذين يكملون المشهد المرعب. مستشفيات ومساجد ومنازل تقصف، والضحايا من الرضع والأطفال والنساء والشيوخ بالمئات. هل هؤلاء أهداف الحملة الجديدة؟ بكل تأكيد الجواب نعم، طالما أنه لا يوجد رادع ذو قيمة لأولئك المجرمين. الإدارة الأمريكية تعمل على إعادة سريان الهدنة في سورية! ولكن السؤال يبقى هل كانت هناك هدنة أصلا؟ والأهم هل يتحمل الوضع مزيدا من الوقت لبحث مثل هذه الهدنة؟ في كل دقيقة هناك ضحايا من المدنيين يسقطون، وفي كل ساعة تتحول المباني التي ما زالت باقية إلى أكوام من الحجارة. لا أحد يتوقع تدخلا عسكريا أمريكيا، بل لا أحد يطالب بمثل هذا التدخل. كل ما هو مطلوب الآن وليس غدا، أن يتم الضغط بصورة أو بأخرى على بوتين ليأمر بدوره الأسد بالتوقف. بل أن يتوقف رئيس روسيا نفسه عن عمليات القصف العشوائية التي تضيف مزيدا من المآسي إلى الحالة العامة. ويبدو واضحا، أن موسكو لم تعد تهتم بأي موقف أمريكي حيال الأزمة السورية، خصوصا بعد أن تأكدت (ومعها العالم)، أن رغبة أوباما في البقاء على الحياد السلبي، ستبقى إلى أن يخرج من البيت الأبيض. وهذا واضح، ويظهر جليا في تململ حتى عدد من المسؤولين في إدارته من هذه السياسة السلبية التي وضعت هيبة أمريكا في الزاوية ليس الآن، ولكن منذ انطلاق الثورة الشعبية السورية. وكما هي المواقف المختلفة واضحة مما يجري على الأرض السورية، كذلك هي المجازر التي يرتكبها النظام في حلب الصامدة على مدار الساعة واضحة جدا في أهدافها. إنه يريد أن يحقق مكاسب على الأرض من أجل دعم موقفه التفاوضي مع المعارضة. وهو يعرف أن هذه المكاسب آتية لا ريب فيها، مع بقاء الموقف الأمريكي على حاله. أي مجرم يتمنى أن يكون الوضع بهذه الصورة. لا عقاب ولا حساب عما يقوم به من فظائع اعتبرها المراقبون الغربيون المحايدون لا سابقة لها منذ الحرب العالمية الثانية.
إنشرها