Author

هل سينجح المركز المالي؟

|
"بدأ العمل على بناء مركز الملك عبدالله المالي في الرياض في العقد الماضي، دون مراعاة الجدوى الاقتصادية، حيث كان من المخطط له تطوير الأراضي وبيعها لمستثمرين في قطاعي المال والأعمال، إلا أن هذا المنهج لم ينجح، وقررت الدولة في حينه أن تأخذ على عاتقها بناء المركز ومن ثم تأجيره. "كانت تلكم العبارات مقدمة لفكرة إعادة هيكلة مركز الملك عبدالله المالي، التي جاءت كأول بند تحت "اقتصاد مزدهر...تنافسيته جاذبة"، وهي فعلا تستحق أن تكون من أولى الأوليات التنموية لقطاع المال والأعمال، وذلك لأهمية تحقيق المركز لهدف استراتيجي بتشكيل ما يعرف باقتصاد التكتل أو التجمع للقطاع المالي وما يلحقه من خدمات، ليكون رافدا وداعما أساسيا لتطوير سوق المال ليخدم رؤية السعودية 2030 بشكل فعال، لكن السؤال المهم: هل سينجح هذا الصرح الذي لم يستطع خلال عقد من الزمن إقناع أي مصرف بالوجود فيه إلا مجموعة سامبا المالية التي تعتبر ممولا للمشروع ولذا من البديهي أن تدعمه وتأخذ مبنى فيه مقابل أرباح بضع سنوات على التمويل؟ يذكر الموقع الإلكتروني للمركز المالي مقارنته بمركز "كناري وارف" المالي الذي يعد المنافس للحي المالي في لندن "سيتي"، وبعد وقوفي شخصيا على قصة "كناري وارف" أجد أنها تجربة فيها دروس مهمة كان من المفترض الاستفادة منها بدلا من مجرد المقارنة. بدأت فكرة "كناري وارف" في منتصف الثمانييات عندما أوكلت الشركة الحكومية لتطوير منطقة الميناء في شرق لندن مهمة التطوير للشركة الكندية "ألومبيا ويورك"، وبالتأكيد كأي مشروع تطوير عقاري في بداياته كانت الطموحات عالية، حيث رأى المطور أن هذا المركز المالي سيعد بمثابة "وول ستريت" آخر في لندن ليحاكي المركز المالي في نيويورك، وسيتمكن من جذب الشركات المالية البريطانية والعالمية ليكون هذا المشروع مناسبا لتكتل القطاع المالي في عاصمة المال العالمية لندن، في عام 1991 افتتح أول برج في المشروع ويعد في حينه أطول برج في بريطانيا، لكن تزامن ذلك مع بدء انهيار سوق العقار البريطانية، ولا سيما القطاع التجاري منه، ما سبب ارتفاعا لحجم المكاتب المعروضة في الحي المالي "سيتي"، كانت المحاولات حثيثة من قبل المطور لاستقطاب الجهات المصرفية، حتى قام بإعطاء قطعتي أرض مجانية لمصرفين أمريكيين لتحفيزهما لبناء مقارهم الرئيسة في "كناري وارف"، وبلغ اليأس بالمطور أن تعهد بتقديم مبلغ مالي سنوي لمدة 30 عاما لأي مصرف يوافق أن ينتقل إلى أطول برج، مع ذلك رفضت المصارف هذا العرض المغري ببساطة لأنها لا تريد أن تتخلى عن موقعها الحالي المعروفة به، كما أن أغلب موظفي المصارف شكلوا تحالفات داخلية للضغط على الإدارات بعدم الموافقة على الانتقال إلى "كناري وارف" بسبب بعدها وعدم مرور خطوط القطارات الرئيسة من خلالها، ولذلك اضطر المطور إلى إعلان إفلاسه في عام 1992 لعدم إمكانيته الوفاء بديونه للممولين وإتمام المشروع وتأجيره على الشريحة المستهدفة، كانت النتيجة صادمة للحكومة البريطانية، وفي عام 1997 وبعد انتعاش السوق العقارية مجددا تمت إعادة هيكلة "كناري وارف" وذلك بإدخال أحد المستثمرين المؤثرين في المجال المصرفي الأمريكي ليقنع المصارف في نيويورك بأن تكون مقارهم الرئيسة في كناري وارف وذلك لإدارة أعمالهم في أوروبا، ثم تم الاتفاق مع شركة النقل العام في لندن على إيصال أحد أهم الخطوط التي تربط شرق لندن بغربها وهو خط "جوبلي" ليمر على المركز المالي ويجعل الوصول إليه ميسرا على أن تدفع الشركة المطورة نصف تكاليف تمديد خط القطار على شكل أقساط تبدأ في 2024، فأضحى الوقت الذي يستغرقه الشخص للوصول بالقطار قرابة 30 دقيقة من وسط لندن وأقل من 20 دقيقة عن الحي المالي "سيتي"، وخلال 25 عاما وبالتدرج ازدادت جاذبية المركز للمصارف لتستقطب على سبيل المثال "سيتي جروب" و"جي بي مورجان" وHSBC و"باركليز" وعديدا من الشركات المالية التي تريد استغلال هذا التكتل للصناعة المالية، ما جعله مركزا استثماريا مهما ليستحوذ صندوق قطر السيادي على أغلب أسهمه أخيرا. الخلاصة، المشروع سينجح بإذن الله، لكن سرعة نجاحه تعتمد على إقناع أغلب المصارف السعودية 11 المتبقية مع أذرعتها الاستثمارية بالانتقال إلى المركز خلال الفترة القريبة المقبلة وجعل المركز المالي محط أنظار الشركات والمؤسسات المالية المحلية والعالمية وما يلحقها من خدمات مساندة استشارية وتقنية، وفي حال نظرنا إلى الأرقام بشكل مبسط فتأجير المتر المربع بمتوسط 920 ريالا وهي منطقية ومقبولة وفقا لظروف السوق، سيحقق إيرادات سنوية بنسبة 7 في المائة من التكلفة المقدرة بـ 37.5 مليار ريال، ويعتبر دخلا جيدا مبدئيا حتى ينتعش المشروع، وفي صناعة التطوير العقاري المخاطر عالية ولا سيما مع تقلبات السوق وعدم وضوح الرؤية لهذا النوع من المشاريع المتخصصة، لذلك لا ينبغي أن تنفق فيه أموال المتقاعدين نظرا، ويمكن تدارك هذا الأمر باستحواذ صندوق الاستثمارات العامة على المركز المالي لرفع المخاطرة عن مؤسسة التقاعد، ثم محاولة الصندوق إقناع الشريحة المستفيدة بالقيمة المضافة من وجودها في المركز المالي بجميع وسائل التفاوض الممكنة والمتعارف عليها في الوسط العقارية.
إنشرها