Author

مسؤوليتنا الفردية تجاه الرؤية المستقبلية

|
لا يختلف أحد في أن أي حركة تنموية على مستوى المجتمع والدولة تتطلب مشاركة الجميع. وهذا ما تشير إليه الرؤية السعودية الجديدة في محاورها الأساسية: مجتمع حيوي، اقتصاد مزهر، وطن طموح؛ حيث تشير إلى مجالات مشتركة مثل تحسين نمط الحياة وتقوية بنيان الرعاية الاجتماعية ورفع الإنتاجية بتحسين المهارات وتمكين الأفراد واكتمال باقة الأهداف الأخرى بالمواطنة المسؤولة. هذا يؤكد أن مسؤوليتنا كأفراد لا تنحصر في الابتعاد عن السلبيات – كالتذمر والتعبير عن الإحباط ـــ أو تجنب النقد غير الموضوعي أو مجرد الصمت والانتظار حينما يجب علينا العمل والمشاركة والتعاون. حتى من يعبر عن رضاه الخجول والمتشكك بعبارات مثل: "جميل، ننتظر ونرى" هو فعليا لا يزال بعيدا عن فهم روح «الرؤية» وتبني متطلباتها. قبل النظر إلى مسؤولية الأفراد نحو التغيير المجتمعي من وجهة نظر عملية، أشير إلى أهمية مصطلح المسؤولية الذي تردد في العقود الأخيرة بأكثر من مفهوم على مستوى الممارسات والتنظير. وسواء كان الحديث عن المسؤولية في نطاق المجتمعات أو المنظمات أو الأفراد، قد نعرفه إجمالا بقدرتنا على الحس والتصرف بمروءة، تجاه الدين والوطن وكل من نتشارك معهم المكان والزمان. هناك ثلاثة أمور محتمة علينا كأفراد حينما نود فعلا مساندة عملية التغيير. أولا، أن نعي جيدا قدراتنا الشخصية الأصيلة والمكتسبة التي نملكها ونتعرف إلى كيفية استخدامها والاستفادة منها بأفضل طريقة. نحن دائما ما نقلل من حظوظنا وفرصنا لأننا لا نقدر إمكاناتنا حق تقدير. كل ما يتاح لنا من أدوات ومهارات مكتشفة وغير مكتشفة يعد قابلا للتسخير والمشاركة في عملية التغيير، وهذا أول ما يمكننا كأفراد من العطاء بطريقة ملائمة ومؤثرة. ثانيا، أن نقدر قيمة الهدف المشترك الذي نسعى جميعا لتحقيقه. وهذا يتحقق بالفهم الجيد للرؤية المشتركة وما تستدعي هذه الرؤية من التزامات واقعة على الفريق الذي يقود هذه الجهود وعلى مساندي هذا الفريق. تقديرنا للجهد المبذول والتحديات القائمة والقادمة يجعلنا نسهم بشكل فعلي في تجاوزها. ثالثا، أن تكون مشاركتنا فاعلة بالمحافظة على النسق والتناسق بالنقد البناء والمتابعة المستمرة، أي أن نعيش التجربة ولا نبتعد عنها، أن نشارك في جميع القفزات ونتحمل المطبات سويا. الابتعاد بكل أشكاله ـــ حتى الابتعاد عن التقويم والتصحيح والنقد ــــ يحول تعهداتنا بالقبول إلى حوافز لسلطات سلبية سرعان ما تخرج عن مسارها وتنعكس نتائجها. ستصنع البرامج والأدوات التي تحقق «رؤية السعودية 2030» نتائج مختلفة عما نشاهده اليوم. وهذا يعني جهودا مختلفة وتغييرا شاملا على مستوى التنسيق والأداء. بعبارة أخرى، لابد من أن تنطلق مهاراتنا وإمكاناتنا الفردية إلى مستوى مختلف عن الذي نمارسه اليوم. يجب على المتواضع منا أن يرفع من أدائه والجيد يصبح أفضل والمتميز يدفع من حوله للتميز. من المتوقع أن تشمل منظومة العمل التي تعمل لتحقيق «الرؤية» على محفزات ترفع الإنتاجية والجودة، وتصنع المزيد من الضغوط على من لم يقتنع بعد، أو من يقلل من دوره ومسؤوليته تجاه مجتمعه. ولهذه الأسباب أعتقد أن مجرد إعلان «الرؤية» يحتم علينا جميعا أن نبدأ بإعادة تنسيق جهودنا الفردية على المستوى الشخصي للتواؤم معها، بالاستثمار في المهارات والقدرات، ومواءمة الخطط الشخصية لهذه المستجدات. هذا كفيل بضرب عصفورين بحجر، تحقيق الأهداف الحياتية الشخصية والمشاركة المجتمعة في رؤية بحجم الوطن. الحجم الضخم للمسؤولية الفردية لا يعني أن الأدوار المنتظرة تنحصر على الأفراد فقط، على الجهات الحكومية والمنظمات مسؤوليات كبرى كذلك، كما نصت وثيقة الرؤية. ولكن هذا لا يعني أن نركن إلى الخطوات التي تقوم بها هذه الجهات وننتظر رؤية نتائجها دون مشاركة منا، ولذلك لسببين رئيسين. الأول، هو أن «الرؤية» تقوم أساسا على المشاركة والبناء المجتمعي المتماسك الذي يشترك بجميع فئاته في الجهد والمصير. والآخر، أن شمولية الرؤية الجديدة تعني مزيجا جامعا من البرامج والأدوات التي ستمس حياتنا اليومية من نمطها الصحي والإنتاجي وحتى سلوكنا الاستهلاكي. على سبيل المثال، من يبتعد عن الإلمام والاهتمام بهذه المتغيرات سيتنبه ـــ ولكن بعد حين ــــ بفشل أسلوبه الاستهلاكي على مجاراة التحديات الاقتصادية الجديدة وسيفقد القدرة على رؤية الفرص الادخارية التي كانت ستشكل له شبكة الحماية المستقبلية. قام روبرت إي كيللي في مقال مشهور نشر عام 1988 في مجلة "هارفارد بزنس ريفيو" بتقدير دور الأفراد والتابعين أثناء عملية التغيير، وقام فيه بحصر أربع مميزات رئيسة للفرد المساند لعملية التغيير. أولا، يدير هذا الفرد نفسه بشكل جيد وفعال، أي يربط بين أفكاره وعواطفه وتصرفاته ويتحكم بها جيدا. ثانيا، يلتزم بالرؤى والمبادئ التي يؤمن بها ويتشارك بها مع قادة التغيير. ثالثا، يقوي من إمكاناته بشكل مستمر. ورابعا، يملك شجاعة العمل والمخاطرة والمشاركة والنقد. وبكل تأكيد لا أبلغ من قول المولى ـــ عز وجل ــــ: "إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ".
إنشرها