Author

تحديات التنمية .. وبرنامج التحول الوطني

|
أقرت المملكة ملامح خطة جديدة، لبرنامج يسعى للوصول إلى أهداف، ولكن يبقى دائما عدد من التحديات التي قد تواجه ذلك البرنامج والتنمية بصفة عامة ويمكن تقسيمها على عدد من المحاور كالتالي: أولا، عدم الاعتماد على النفط لا يعني عدم استغلاله، فإن أسعار النفط الحالية، لا تجعل المملكة تعتمد عليه كمصدر أساس للدخل، لكنه بالتأكيد، يمكن الاعتماد عليه كرافد مهم يمكن استغلاله في الصناعات التحويلية والتكميلية وتطوير مراكز الأبحاث المتعلقة بالنفط مثل مركز الملك عبد الله لأبحاث النفط، وسبر كيفية الاستفادة من هذه الطاقة، وفي الوقت نفسه، التساؤل عن مدى فاعلية الاعتماد على مصادر بديلة للنفط. إن تغيرات أسعار النفط في الأسواق العالمية خلال تنفيذ برنامج التحول، حين لا يزال الاعتماد على النفط في اقتصاد المملكة أمرا واقعيا حتى أنها وضعت التخلي عن النفط هدفا، بيد أن اختلال الأسعار وعدم سيطرة المملكة على تلك الأسعار قد يجعلان من ذلك صعوبة مستقبلية، وذلك يعني، إذا ما رجعت الأسعار للزيادة لأسباب سياسية أو عسكرية دولية، فإنه قد يكون هنالك بطء في الاعتماد على الطاقة البديلة أو التركيز على المصادر الأخرى لدعم الميزانية، والتنمية الوطنية. ثانيا، عدم تمكين الفاعلين ما دون الحكوميين، وعلى رأسهم منظمات المجتمع المدني، والعمل الخيري، وهذا يستلزم إعادة دراسة السياسات الخاصة بتلك المنظمات ودورها في تمكين المجتمع من المشاركة في صنع القرار، وإيصال الاحتياجات كذلك كرابط ما بين القطاع الخاص والقطاع الحكومي. ثالثا، التغيرات الديموغرافية والحضرية، تعد الزيادة السكانية من أبرز التحديات الطبيعية، حيث تشير بعض الإحصائيات، إلى وصول عدد سكان المملكة إلى 39 مليون نسمه بحلول عام 2030، وتلك الزيادة التي تستلزم بطبيعة الحال، تلبية تلك الاحتياجات من صحة ومأوى، وتعليم، وتوظيف، وغذاء، وطاقة، وبالتالي، إلى أي مدى تتواكب هذه الخطة مع الزيادات لهذه المتغيرات في الوقت الذي تحاول فيه الدولة تخفيض المصارف، إذا الترشيد في المشاريع سيحتاج إلى أن يضبط بشكل عال، وأن تطبق الآية الكريمة ويتفكر بها ويتمعنها وهي قوله تعالى "ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط". رابعا، تحدي الادخار مقابل الاستهلاك، فالإنتاج = الاستهلاك + الادخار، وتعني هذه المعادلة، حسب ما ذكرها د عبد العزيز الدخيل، أن مجموع حجم الإنتاج العام يساوي مجموع الاستهلاك والادخار ولكي ينمو الاقتصاد الوطني فإنه يجب أن ينتج الفرد أكثر مما يحتاج للاستهلاك، ويدفع الفائض (الادخار) إلى المجالات الاستثمارية المختلفة وينمو الاقتصاد العام. خامسا، تحدي السياسات ومرونتها، فكل استراتيجية، يتمخض عنها عدد من المبادرات والبرامج والخطط التنفيذية العملياتية، وعند التطبيق، قد تصطدم بعض الخطط التشغيلية، مع الواقع الذي لا يتيح لها فرصة الوصول للهدف، ويقوم "بتكتيف" تلك الاستراتيجيات، بحجة وجود نظام لا يمكن تغييره، أو أن عملية تغييره ستتطلب وقتا كبيرا، وهذا يشكل تحديا في كيفية سن أنظمة وقوانين تتسم بالمرونة كي تحقق الاستراتيجيات هدفها من جهة، وفي الوقت نفسه تكون عند المنفذ القدرة على استغلال الوقت لتسليم المخرجات المطلوبة، دون الاصطدام بالحواجز القانونية التي لم يتم تحديثها بالتواكب مع التغيير المرجو. إن الاقتصاد الناجح هو الأقدر على التكيف مع الظروف من ناحية وفرة أو قلة الموارد الطبيعية، وإن الممارسة الإدارية الشفافة والتشريعات لها الأثر الكبير في تحقيق هدف برنامج التحول، ونحن في دول الخليج أمام خيارات مصيرية وهي إما السماح لانتشار نمط المجتمع الاستهلاكي والتخلي عن ثقافة الإنتاج إلى تحويل القطاعات إلى الإنتاجية لا الاستهلاكية. وكذلك نهج طريق الإدارة الحكيمة المبنية على الخيارات الاستراتيجية التي تسعى لتحقيق النمو في الاقتصاد و تجنب المسار الذي ينهك الموارد الطبيعية، ولا يقدم أي قيمة مضافة ومستدامة للاقتصاد. كذلك نحن في حاجة ملحة إلى التعلم من هذه الدروس و التجارب الدولية في الممارسات والتطبيق، علاوة على جلب المنفذين البارعين، فالخطط تظل شيئا جيدا، ولكن يقال دائما يكمن المهم في التفاصيل، والعبرة بالتنفيذ والمخرجات، ولذا يستلزم تنفيذ تلك الخطط تجهيز البيئة الاستراتيجية مثل: البنى التحتية، والأطر القانونية، والسياسات، والتقنية، والمرافق، وتسهيل الأداء، وضمان ملاءمتها لتنفيذ برنامج التحول الوطني من ناحية، وكذلك تجهيز العقلية الاستراتيجية والقيادات التنفيذية القادرة على تطبيق أعلى قدر ممكن من المهارات في التنفيذ، والخروج بأكبر قدر ممكن من المخرجات المرجوة، ويجب أن نتذكر دائما مسؤوليتنا أمام الأجيال القادمة التي يجب أن نقدم لها مستقبلا مزدهرا ومستداما.
إنشرها