Author

ما أهمية العمل الكريم والسكن الميسر؟

|
عضو جمعية الاقتصاد السعودية
يستهدف الحديث عن الأهمية القصوى لحماية حزام الأمان التنموي للمواطن وأسرته، مع التركيز بدرجة أكبر على مكونه الأهم والأثقل وزنا ممثلا في حزام الأمان الاقتصادي والاجتماعي، الذي بدأت الكتابة في المقال الأخير بالتركيز على مكونيه الرئيسين: (1) فرصة العمل الكريمة والملائمة ذات الأجر الكافي. (2) حيازة السكن الملائم والميسر، سواء من حيث تكلفة إيجاره، أو من حيث قيمة أقساط تمويل شرائه وتملكه. أؤكد أن الحديث هنا وما سيأتي من توسع تحليلي دقيق؛ يستهدف في نهايته حماية مقدرات الاقتصاد الوطني، وتوفير الضمانات اللازمة والكافية للمجتمع بمكوناته كافة أفرادا وأسرا للقيام بالأعباء والمسؤوليات الملقاة على عاتق كل فرد منهم، ومنح الأولوية بكل تأكيد للفئات والشرائح المنتجة منها في أي من القطاعين الحكومي أو الخاص. هناك مخاطر لها علاقة مباشرة بمرتكزات حزام الأمان الاقتصادي والاجتماعي للفرد المنتج. من تلك المخاطر؛ أن تتآكل القوة الشرائية لدخل الفرد (التضخم الزاحف)، وما قد يترتب عليه بالنسبة للفرد العامل في سنوات تالية لأن يتورط في تحمل ديون مصرفية أو ما شابهها للوفاء بالمتطلبات المعيشية لأسرته، ليغوص بدرجة أعمق في أزمات مالية بالغة التعقيد، فيتكالب على دخله المحدود خطران لا مجال للفكاك منهما، الأول ممثلا في تضخم الأسعار وارتفاع تكلفة المعيشة على كواهل، والآخر ممثلا في الاستقطاع الإجباري لأقساط سداد المستحقات المالية عليه للجهات الممولة (مصارف، شركات تقسيط). لن تستطيع الفصل بين مسببات وآثار تلك المخاطر على حزام الأمان الاقتصادي والاجتماعي للفرد وأسرته، إلا لغرض البحث والتحليل والدراسة، بهدف التوصل إلى تحديدها ومن ثم لاتخاذ القرارات أو الإجراءات التي تحد منها. وتأتي صعوبة الفصل هنا على المستوى المعيشي الواقعي بالنسبة للفرد وأسرته، من كون تلك المسببات والآثار يغذي بعضها بعضا، وهو ما سيتبين للقارئ الكريم فيما سيأتي بعد قليل من حقائق رقمية مثبتة رسميا. أظهرت نتائج نشرات مسح إنفاق ودخل الأسرة الصادرة عن الهيئة العامة للإحصاء (1998-2013)، أن استقطاع تكلفة السكن فقط بالنسبة لمتوسطي ومحدودي الدخل قد ارتفع من 17.0 في المائة من إجمالي إنفاق الأسرة السعودية بنهاية 1999، إلى نحو 46.3 في المائة من إجمالي الإنفاق بنهاية 2013. وبإضافة نسبة استقطاع تكلفة الغذاء من إجمالي إنفاق الأسرة السعودية للفترة نفسها، التي انخفضت من 35.0 في المائة بنهاية 1999، إلى ما لا يتجاوز 25.0 في المائة بنهاية 2013، يصبح مجموع نسب استقطاع كل من تكلفتي السكن والغذاء أعلى من 71.1 في المائة من إجمالي الإنفاق بنهاية 2013، أي ما يشكل ثلاثة أرباع إنفاق الأسرة السعودية، مقارنة بما لم تكن تتجاوز خلاله نسبة 51.4 في المائة قبل نهاية 1999. ووفقا للارتفاع الذي طرأ عموما على تكاليف المعيشة خلال الفترة 2014-2016، وتحديدا على أسعار العقارات وتكلفة إيجاراتها بالدرجة الأولى، فإنه يرجح أن تكون نسبة استقطاع تكلفة السكن من إجمالي إنفاق الأسرة السعودية، قد ارتفعت إلى أعلى من تلك النسبة المرتفعة في الأصل. وبالنظر إلى المسار الزمني لتلك التطورات؛ فإنه يشير دون أدنى شك إلى تعرض حزام الأمان الاقتصادي والاجتماعي للفرد وأسرته إلى المزيد من الضغوط المعيشية، ما يستدعي اتخاذ تدابير وإجراءات عاجلة تعالج هذه المخاطر المتزايدة على معيشة الأفراد والأسر. في جانب آخر؛ لا يخفى على الجميع الارتفاع الكبير الذي شهدته القروض المصرفية وغيرها من أنواع القروض على كاهل الأفراد، التي وصل مجموعها (الاستهلاكية، العقارية، بطاقات الائتمان) بنهاية 2015 إلى نحو 439.5 مليار ريال، دون إغفال الأنواع الأخرى من القروض والتمويل الممنوح من شركات التقسيط على اختلاف أنواعها (قروض الظل المصرفي)، التي يقدر أن يصل مجموعها إضافة إلى القروض المصرفية إلى أعلى من 770.1 مليار ريال بنهاية 2015. هل لدى أحد منا مجرد شك، أن مثل هذه المتغيرات الطارئة على معيشة الفرد وأسرته، يمكن أن تحدث وتتسع دائرتها بهذه الأنماط المقلقة جدا، دون أن تترك آثارا سلبية على حياة الأفراد والأسر؟ إنه أمر مؤسف أن تفتقر ساحة الدراسات والأبحاث في تلك المجالات التنموية والحيوية لدينا إلى الجهود اللازمة تجاهها، وهو القصور الذي يتحمله الجميع دون استثناء، بدءا من الأجهزة والمؤسسات الأهلية والأكاديمية، وانتهاء إلى أصحاب الرأي والكتاب المختصين. هل لفت انتباه أحد من تلك الأطراف ما أظهرته التقارير السنوية الصادرة عن وزارة العدل عن حالات الزواج والطلاق بين السعوديين خلال الأعوام الأخيرة؟ إنها لافتة للانتباه؛ فخلال الفترة 2011-2014 سجلت حالات الزواج بين السعوديين والسعوديات انخفاضا بلغت نسبته 3.6 في المائة، مقابل ارتفاع حالات الطلاق بين الجنسين للفترة نفسها بنسبة 28.7 في المائة. لا أذكر هذه النسب هنا لربطها حصريا كنتيجة مباشرة لما سبق التطرق إليه من تطورات تتعلق بمعيشة الأفراد والأسر، إنما أستحضرها في هذا المقام كإحدى الظواهر الاجتماعية اللافتة جدا التي تستحق الدراسة والبحث، فإن ثبت أن بين تلك التطورات علاقة كبيرة، وهو ما نتوجس منه جميعا بكل تأكيد، فهذا يعني بالضرورة القصوى أننا أمام تحديات مخاطر حقيقية تؤثر في مرتكزات الأمان الاقتصادي والاجتماعي للأفراد والأسر. هذا الموضوع لا يزال في دائرة التحديات الحقيقية (غير المفكر فيها)، وأن الواجب الوطني يتطلب المبادرة بتحمل المسؤوليات على عاتق كل جهة حسب اختصاصها، والحذر كل الحذر من تأخر فعل ذلك، وللحديث بقية بمشيئة الله تعالى. والله ولي التوفيق.
إنشرها