Author

التطوير العقاري .. والبيع على الخريطة

|
تطورت فكرة بيع الوحدات العقارية على الخريطة منذ أكثر من عقد على مستوى العالم، ودخلت إلى أسواق الشرق الأوسط والخليج أخيرا، حيث صدر قرار مجلس الوزراء رقم (73) وتاريخ 12/03/1430هـ، لتنظيم بيع الوحدات العقارية على الخريطة تحت مظلة وزارة التجارة والصناعة لتؤسس برنامجا متخصصا للبيع على الخريطة، الذي يشرف على قرابة 29 ألف وحدة عقارية على مستوى المملكة، بإجمالي قيمته 34 مليار ريال تمثل المشاريع المصرحة منذ انطلاق البرنامج، وأكثر من ثلثها (13 مليارا) تم التصريح له خلال 2015، وهذا يدل على إقبال كبير على هذا النوع من التطوير للمشاريع العقارية، ومن خلال استعراض الموقع الإلكتروني للبرنامج نجد أن المشاريع العقارية السكنية المنجزة بالكامل عبارة عن ثلاثة مشاريع لفيلات وأربعة مشاريع لشقق، بينما المشاريع التي تحت الإنجاز تسعة مشاريع لفيلات وثمانية مشاريع لشقق، والملاحظ أن أغلب الشقق التي تم التصريح لها تعتبر شققا فاخرة لا تستهدف شريحة متوسطي الدخل بل تستهدف فئة الأثرياء، ولذلك أعتقد أن أحد التحديات القادمة للبرنامج هو محاولة استهداف المطورين وحدات سكنية لذوي الدخل المتوسط وأقل، وللبرنامج بشكل عام سمات متعددة إيجابية وسلبية سيتم استعراضها بالنسبة للمطور، ثم استعراضها بالنسبة للمشتري في مقال قادم ـــ بإذن الله. بالنسبة للمطور، يعد البيع على الخريطة إحدى الوسائل المهمة لمعرفة مدى جدوى المشروع العقاري وتقبل الشريحة المستهدفة له، حيث تعتبر أداة تسويق فعالة يستطيع من خلالها المطور معرفة أبرز متطلبات العملاء واستيفاءها والاستماع إلى الملاحظات المختلفة وتفاديها في مراحل التطوير الأولية، وبذلك يضمن المطور أن مشروعه سيحقق طموح الشريحة المستهدفة، كما أنه لن يحتاج إلى مدة زمنية لتسويق وحداته بعد انتهاء التطوير لأنها من المفترض أن تكون قد بيعت خلال فترة التطوير، وبهذا يكون المطور قد وفر تكاليف التمويل المخصصة للتطوير ليحصل على عائد أعلى مقابل النقد الذي استثمره، وحتى تكون الدفعات متسقة مع تكاليف المشروع من الملاحظ أن أغلب العقود المتعلقة بالبيع على الخريطة توزع الدفعات إما على أربع وإما خمس دفعات بشكل يتوافق مع اشتراطات حقوق المستهلك، الخاصة ببرنامج البيع على الخريطة، في المقابل يلاحظ كما أسلفت أن المشاريع المصرح لها تعتبر مشاريع تطوير كبيرة وذات رأس مال كبير وتستهدف شريحة الأثرياء، وهذا يعد من سلبيات البرنامج، الذي لم يتمكن من استقطاب المطورين المتخصصين في المساكن الاقتصادية والوحدات السكنية لذوي الدخول المتوسطة، وقد يكون ذلك بسبب التعقيدات الكثيرة والإجراءات البيروقراطية التي يواجهها المطورون ذوو رؤوس الأموال الصغيرة والمتوسطة، الذين كانت لهم الريادة في بناء الوحدات السكنية، حيث أشار تقرير الهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض تحت عنوان "مؤشرات العرض والطلب للقطاعات العقارية في مدينة الرياض" إلى أن فقط 6 في المائة من الوحدات السكنية في الرياض تم تطويرها من قبل شركات التطوير العقاري، وبالتالي 94 في المائة من المساكن تم تطويرها من قبل أفراد أو شركات تطوير صغيرة ومتوسطة، لذا من المهم الحفاظ على هذه الشريحة وتذليل العقبات لها لتستمر في تزويد السوق بحاجتها من الوحدات السكنية خاصة على المديين القصير والمتوسط، مع التأكيد على أهمية التثبت من جودة الوحدات السكنية المنفذة من ناحية فنية وسلامتها من أي عيوب قد تؤثر في أدائها على المدى البعيد، وفي هذا الصدد فمن مزايا برنامج البيع على الخريطة وجود الرقابة الفنية من استشاري هندسي لمتابعة سير الأعمال الفنية وكذلك الرقابة المالية من محاسب قانوني وحساب مصرفي يسمى "حساب الضمان" مستقل لكل مشروع يقوم من خلاله المصرف بتسلم دفعات المشترين وصرف المستحقات للمطور وفقا لوثائق معتمدة من المحاسب القانوني والاستشاري الهندسي، وبالحديث عن المصارف فمن المهم أن يتم التأكد من عدم إثقال كاهل المطور برسوم إدارية من قبل الجهات المصرفية مثل رسوم فتح الحساب وكذلك النسب التي يتم تقاضيها مقابل إدارة الحساب، لأن المطور هو صاحب الفضل في وضع أموال المشروع في عهدة المصرف، الذي سيتمكن من تحويل هذه الأموال إلى تمويلات تعود عليه بالأرباح، فمن غير المعقول أن يحاول البنك الاستفادة من كل جهة لأن أي تكاليف على المطور سيتم تحميلها على الوحدة السكنية ومن ثم سيدفع ثمنها المواطن الذي سيشتري هذه الوحدة. الخلاصة، لا بد للمطور الذي يريد البيع على الخريطة أن يبني سمعته في المجال وأن يحرص على التواصل الفعال مع المشترين خلال فترة التطوير، كما يجب أن تقوم إدارة البرنامج بإيجاد آلية لتقييم المطورين ذات شفافية عالية تتيح للمشتري استعراض سابقة أعماله، وما يحسب لإدارة البرنامج قيامها بورشة عمل عن المعوقات التي تواجه شركات التطوير المتوسطة والصغيرة وتحد من استفادتهم من البرنامج، ونؤكد أهمية تحويل تلكم التوصيات إلى واقع عملي يحفز المطورين للإنتاج بشكل أسرع وأكثر كفاءة لتغطية الحاجة من الوحدات السكنية، ولعل نقل برنامج البيع على الخريطة أخيرا إلى وزارة الإسكان يسهم في تحقيق تحسن مستمر فيه، ليخدم المطورين والمستفيدين ويحقق أهدافه المرجوة.
إنشرها