Author

هناك ما هو أهم من النفط

|
هناك اعتقاد سائد بأن أهمية المملكة على المسرح الدولي سببها فقط هو حيازتها لواحد من أكبر احتياطيات النفط في العالم، ولدورها كأكبر منتج ومصدر للنفط. هذا الجانب بالطبع مهم ويرسخ الدور المهم للمملكة على الساحة الاقتصادية الدولية؛ لأن النفط ما زال يعد أهم مصدر للطاقة في العالم، وبالتالي فإن التطورات في أسواق النفط تسهم بشكل كبير في النمو الاقتصادي العالمي، لكن الدور والأهمية السياسية للمملكة لا تنبع فقط من كونها مصدرا أساسيا للطاقة في العالم، ولكنها تتعدى ذلك لتشمل عناصر وأبعادا أخرى غير اقتصادية، جعلت المملكة هدفا لكل القوى العظمى في العالم. هذا الجانب أدركه قادة المملكة منذ عهد التأسيس بقيادة الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن ــ رحمه الله ـــ عندما سار بالمملكة في مسار سياسي صعب جدا خلال فترة الحرب العالمية الثانية، واستطاع استخدام الأوراق السياسية، التي لم يكن النفط أحد عناصرها الأساسية آنذاك، ليضع لدولته مكانة سياسية مهمة، ولتكون مرجعا للقوى العظمى في كل الشؤون التي تخص المنطقة. أفضل من كتب عن هذا الدور الذي يتعدى الجانب النفطي إلى جوانب أخرى هي الكاتبة الأمريكية المتخصصة في العلاقات الدولية راشيل برونسون، وذلك في كتابها Thicker than oil الذي تستعرض فيه عددا من العوامل التي عززت العلاقات بين المملكة والولايات المتحدة منذ تأسيس المملكة على يد الملك عبد العزيز ـــ رحمه الله. والكتاب عبارة عن بحث متعمق في جوانب هذه العلاقات التاريخية بما فيها من جوانب إيجابية وسلبية، وخلاصته أن النفط واحد من عدد من العوامل التي لعبت دورا في تعزيز العلاقة بين المملكة والولايات المتحدة ـــ وقد يكون النفط فعلا عاملا قويا ـــ لكن هناك عوامل أخرى لعبت دورا أكثر قوة خلال فترات صعبة من العلاقات بين البلدين. بالطبع، ليس ما يسرده الكتاب من حقائق قد يكون بالضرورة صحيحا، لكنه يبرز للأمريكيين قبل غيرهم أن جذور هذه العلاقة الوطيدة ليس النفط وحده، ولكنها أبعد من ذلك. هذه النتيجة لا تقتصر على العلاقة بين السعودية والولايات المتحدة، ولكن يمكن تعميمها إلى ما يهم العلاقات الدولية للمملكة مع جميع الدول بما فيها الدول العربية الشقيقة. خادم الحرمين الملك سلمان بن عبد العزيز ـــ حفظه الله ـــ يدرك هذا التميز وعناصر القوة التي تملكها المملكة، ولذلك خلال عام واحد فقط من توليه حفظه الله الحكم أعاد ترسيخ هذا الدور من خلال إعادة ترتيب أوراق العلاقات الخليجية والعربية والدولية على حد سواء. وهذا الترسيخ لدور المملكة الإقليمي والدولي يأتي في وقت تراجعت فيه أسعار النفط بشكل كبير جدا، ما يثبت أن عناصر القوة السياسية للمملكة وقدرتها على التأثير في جانب العلاقات الدولية تتعدى النفط بشكل كبير، وتشمل دور المملكة في استقرار البيت الخليجي والعربي، وتعزيز دورها كرائدة في العالم الإسلامي بما حباها الله من رعاية الحرمين الشريفين وحجاج بيت الله الحرام، وكلاعب رئيس في العلاقات الدولية. المملكة لم تكن يوما تابعة لقوة دولية أو إقليمية، ولكنها كانت على الدوام لاعبة وشريكا للقوى العظمى في العالم، ولربما الموقف الأمريكي تجاه المنطقة في الآونة الأخيرة وعدم تفاعلها مع المبادرات التي تتبناها المملكة بهدف استقرار المنطقة، يعتبر خطأ استراتيجيا ستظل الولايات المتحدة تندم عليه؛ لأنه لم يؤثر في دورها فقط بالنسبة للمملكة، ولكن بالنسبة لدول الخليج، وللدول العربية، ولتركيا التي كان ينظر إليها من قبل الأمريكيين كأحد أهم الشركاء في المنطقة. أسوأ شيء بالنسبة للحلفاء هو الإحساس أن الحليف تخلى عنهم يوما ما، وتغيير هذه النظرة يتطلب تكلفة دبلوماسية وسياسية عالية جدا، وكلما رفعنا هذه التكلفة استطعنا تحقيق مكاسب سياسية أكبر على المديين المتوسط والبعيد. الزيارة التي قام بها الملك سلمان بن عبد العزيز ـــ حفظه الله ـــ إلى مصر، والزيارة الحالية إلى تركيا، هما مثال على الدور الذي يلعبه ـــ حفظه الله ـــ في إعادة تثبيت وترسيخ دور المملكة في جانب العلاقات العربية والإسلامية. في مصر، شهدت الزيارة توقيع 36 اتفاقية، أهمها بناء الجسر الذي يربط المملكة بمصر، والمشاريع الاستثمارية المشتركة في سيناء، والمشاريع التنموية الأخرى التي تضمنتها الزيارة، لكن من أهم معالم هذه الزيارة في رأيي هو لقاؤه ـــ حفظه الله ـــ بشيخ الأزهر الشريف وبطريرك الكنيسة المصرية، بما يؤكد تسامح المملكة ونظرتها المتوازنة لإخوانها العرب على حد سواء، ويبعث رسالة إلى العالم تخالف المزاعم التي تحاك حول المملكة. الخطاب الذي ألقاه الملك سلمان في البرلمان المصري هدفه جمع المصريين والعرب على قلب واحد، وهدفه تعزيز الاستقرار وترسيخ العلاقات بين الشعبين. كما يرسخ الخطاب مبادئ الأخوة والتفاهم والتعاون بين ركيزتين من ركائز الأمة العربية، ويعزز مؤسساتها.
إنشرها