Author

المخدرات ممر آخر للإرهاب

|
كاتب اقتصادي [email protected]
“لا تتعاط المخدرات، لأنك ستدخل إلى السجن. وفي السجن المخدرات عالية الثمن بصورة جنونية” جون هاردويك مخرج ومؤلف وكاتب أغنيات بريطاني يعتبرون أن سوق المخدرات على الساحة العالمية تأتي في المركز الثالث من حيث الحجم، بعد النفط والسلاح. ومع هبوط أسعار النفط إلى مستويات متدنية تاريخية ربما يتساوى حجمها مع السوق النفطية. هي سوق مدمرة ليس في وقتها فحسب، بل لأجيال مقبلة. والمصيبة، أنها تشهد نموا حتى في عز الحملات لمكافحتها. كما أن سوق المخدرات يمكن أن تصل إلى روابط أخرى على الساحة، بحيث ترفع من مستوى الحماية، وتدعم آفاق هذه التجارة القاتلة. العالم اليوم “كما كان بالأمس”، ليس أفضل على صعيد المخدرات ومكافحتها، بل هناك جهات عالمية تؤكد، أن الوضع الآن أسوأ بكثير، نظرا لتطور آليات إنتاج المخدرات والتجارة المصاحبة لها. إلى جانب طبعا إخفاق بعض عمليات المكافحة، ولاسيما تلك التي تستند إلى التعاون بين بلدان متعددة. الواضح، أن الاستثمار في المخدرات يتيح عوائد هائلة بل خيالية. فطبقا للمرصد الأوروبي للإدمان والمخدرات، فإن استثمار 300 ألف يورو في الاتجار بالمخدرات، يؤمن أرباحا تصل إلى سبعة ملايين يورو. نسبة ربح خيالية بالفعل، واللافت أن دورة رأس المال المشار إليه ليست طويلة زمنيا، بل تعتبر الأقصر فيما لو قورنت بدروات رأس المال في قطاعات أخرى مختلفة. ليس صعبا توريط “مستثمرين” جدد في إنتاج وتجارة المخدرات، إذا ما طرح عليهم هذا العائد والأرباح، كما أنه بمجرد دخول فرد أو جهة هذا العالم، فمن الصعب (بل المستحيل) الخروج منه، لأسباب تتعلق بأمن العصابات التي تنتج وتبيع المخدرات، ولا سيما تلك التي تتبع حكومات ومنظمات إجرامية كحزب الله في لبنان مثلا. بحسب الأرقام الأخيرة التي صدرت عن المرصد الأوروبي المشار إليه يبلغ حجم سوق المخدرات في الاتحاد الأوروبي سنويا أكثر من 24 مليار يورو، وهذه أرقام في حدودها الدنيا، خصوصا مع تأكيد الجهات الأمنية والرقابية استحالة الوصول إلى أرقام قريبة من الأرقام الحقيقية لهذه السوق التخريبية. وبصرف النظر عن مستوى قيمة سوق المخدرات، فالمخاطر لا تكمن في نمو هذه السوق فقط، بل بتقاطعها مع أشكال أخرى من الجريمة، مثل الاتجار بالبشر، والإرهاب والجريمة المنظمة بشكل عام، بما في ذلك الابتزاز وسرقة المال العام، وغير ذلك من الجرائم. وهذا التقاطع يضرب بقوة جرس الإنذار، ولا سيما ذلك الرابط الذي يتشكل بين المخدرات والإرهاب. علما بأنه ليس جديدا على الساحة، قيام تنظيم إرهابي كحزب الله، بتمويل جانب كبير من أعماله التخريبية عن طريق تجارة المخدرات، وكذلك الأمر بالنسبة لأنظمة مارقة كنظام سفاح سورية بشار الأسد، ونظام علي خامنئي وغيرهما. ومع ازدياد العمليات الإرهابية التي تستهدف بعض عواصم أوروبا، يحذر المختصون في القارة العجوز من الآثار المدمرة لتمويل المخدرات لبعض الشبكات الإرهابية الصغيرة، وهنا يكمن التقاطع الخطير. ومن بين أسباب المشكلة في هذا الخصوص، أن التعاون الأمني على الساحة الأوروبية يتطلب مزيدا من التفعيل والتناغم، كما أنه يحتاج إلى التخلص نهائيا من الممارسات البيروقراطية التي أثبتت في العمليات الإرهابية الأخيرة التي تعرضت لها باريس وبروكسل، في تعطيل الوصول إلى الإرهابيين في الوقت المناسب. دون أن ننسى، أن مدبري هجمات بروكسل أنفسهم لديهم سجلات إجرامية سابقة في مجال المخدرات والسرقة وتبييض الأموال. أي أن لهم “ممرا” إلى المخدرات حتى قبل أن يفكروا في ارتكاب جريمتهم المشار إليها. تفيد التقديرات من مصادر دولية مختلفة، أن حجم سوق المخدرات يصل إلى 800 مليار دولار، وهذا رقم أيضا قابل للزيادة أكثر مما هو قابل للانخفاض. وأيا كانت الأرقام، فإن التعاون الدولي في سبيل مكافحة أكثر قوة وشدة لهذه الجريمة الدائمة لا يزال دون المستوى. فالمخدرات لا تدمر المجتمع ولا تخرب الاقتصاد فقط، بل تساهم بصورة مباشرة في التخريب البيئي من خلال نفايات المنتجات الكيماوية المستخدمة لإنتاج المخدرات. أي أن الخراب من المخدرات يأتي من كل ناحية، خصوصا بعدما ثبت بالأدلة دورها في عمليات الإرهاب المختلفة. ليس مهما نوع المخدرات هنا، فكلها جزء لا يتجزأ من الجريمة الكلية لها. خصوصا مع تأكيد المختصين أن أسعار المخدرات نفسها تشهد بعض التراجع في سوق “التجزئة” ما يجعل وصولها لأيدي المتعاطين أقل صعوبة. منذ سنوات طويلة لم تعد مصيبة المخدرات محلية تخص هذه الدولة أو تلك، بل هي عالمية صرفة، ولا يمكن استكمال الحرب عليها والانتصار إلا بتعاون دولي كامل، يأخذ في الاعتبار الحكومات المارقة والمنظمات والعصابات التي تقوم بدعمها وتمويلها. المخدرات أصبحت مصدرا ماليا مهما للإرهاب والإرهابيين، ولن تنتصر الحرب على الإرهاب، إلا بتجفيف المنابع المالية التي توفرها المخدرات، بصرف النظر عن المكان الذي تروج فيه، سواء كانت القارة الأوروبية أو أمريكا الشمالية أو أستراليا أو أي منطقة في هذا العالم.
إنشرها