Author

الجامعات والاقتصاد الوطني

|
تقوم الجامعات بنشر العلم وتأهيل الكوادر البشرية، على مختلف التخصصات من أجل إدماجهم في سوق العمل، وتعمل كذلك على الرفع من قيمة المجتمع عن طرق العملية التعليمية. وللجامعة دور مهم جدا في الاقتصاد الوطني، ويمكن النظر إليه من عدة زوايا، الأولى أن الجامعة هي مكان التأهيل والتعليم، ونقل الطالب وإعداده إلى سوق العمل وبالتالي المساهمة في التنمية والاقتصاد الوطني، وكذلك التطوير المستمر، والاختراع والأبحاث، التي تدعم الحاجات المجتمعية. ويبقى جدلا مفتوحا، تناولته جامعات عريقة مثل جامعة كامبردج وأكسفورد، عن دور الجامعة في الاقتصاد، وإلى أي مدى يجب أن تتغير الجامعة لتلبية سوق العمل من جهة، وكذلك الربط بين الجانبين النظري والتطبيقي. ولا شك أن لهذا عددا من الاعتبارات المهمة، أهمها تنمية المهارات لدى الطالب التي تؤهله فعلا للاستفادة من المرحلة ما بعد الجامعية، وكذلك المرونة في تغيير التخصصات حسب الحاجة والتغييرات المجتمعية، وكذلك تطبيق المنهجيات التطبيقية وبحوث العمليات وعدم الاعتماد فقط على البحوث الأساسية. من جهة أخرى، تلعب مراكز الدراسات في الجامعات دورا حيويا ومهما في حل مشكلات المجتمع، سواء في مجال العلوم البحتة أو العلوم الإنسانية، ولذا هناك أهمية كبرى لمأسسة الأبحاث والإشراف عليها وربطها بأهداف وطنية، وهنا تبرز الحاجة للتعاون بين وزارة التعليم ووزارة الاقتصاد والتخطيط، في عمل أجندة بحثية سنوية، تتعلق بالمشكلات أو التحديات التي نواجهها في المملكة ونستطيع أن نورد مثالا: أبحاث الطاقة الشمسية في التبريد إذا ما علمنا أن نحو 60 في المائة من استهلاك الطاقة في المملكة يصرف في التبريد، وكذلك تحلية المياه والاستفادة من المياه المستخدمة، لا سيما مع التغييرات التي تفرض واقعا جديدا في أسعار السلع الاستهلاكية والخدمات الأساسية. ومع تلك التغيرات الاقتصادية على رأسها التغيرات السياسية الإقليمية والعسكرية، والمدعومة بأسعار البترول المنخفضة، يبرز دور كبير للجامعات للوقوف على مثل هذه الظواهر وسبرها ومحاولة بناء دراسات مستقبلية مبنية على منهجيات، تقلل وطء المفاجأة وتوفر بدائل استراتيجية للمسؤول أو المستهلك، ومن هنا يكون هناك أكثر من حل لأي مشكلة قد تواجه المجتمع. يبقى كذلك أن يكون لدى تلك المراكز البحثية التي يشرف عليها عدد من الجهات أصحاب المصلحة على رأسها وزارة التعليم، أن يكون لتلك المراكز أجندة بحثية سنوية، تتحدث كلما حصل هنالك تغير يؤثر في المجتمع. وهنا يتحقق ربط ما بين الجامعة والمجتمع. ومن المنافع المهمة للجامعة في الاقتصاد الدراسات الاقتصادية العابرة للتخصصات، فالاقتصاد ليس لوحده أولوية بل يشترك كذلك مع الأمن، والتغيرات البيئية، والاجتماعية، وهذا العبور للتخصصات من سمات المستقبل، والتي تحدث عنها هوارد جارندر في كتابه خمسة عقول من أجل المستقبل حيث تحدث عن العقل المتخصص والعقل المركب والعقل المبدع والعقل المحترم والعقل الأخلاقي. ولعل ما يهمنا هنا هو العقل المركب وكذلك العقل المبدع في دراسة الظاهر بمنهجيات من علوم أخرى أو محاولة المزاوجة ما بين التخصصات. وعند ذكر التخصصات وتداخلها، نذكر هنا علم النفس الاجتماعي ونفسية المجتمعات المؤثرة في سلوكياتها، والمطلع مثلا على الأسواق في المملكة مثلا سوق العقار، والذي يشهد انخفاضا سريعا في الأسعار، يرى درجة تأثير علم النفس والمتمثل في الشعور بالخوف في الطرفين، البائع والمشتري، بين صاحب الطلب وصاحب العرض، حيث يسعى كل طرف إلى التحوط دائما، فيذهب صاحب العرض إلى خفض السعر بشكل كبير لتقليل الخسائر وبيعه بأسرع وقت، ويسعى صاحب الطلب إلى التحفظ أو الأحجام عن الشراء، ما يدفع الأسعار مرة أخرى. الجدير بالذكر أن النوبات من الخوف الجماعي تسبب هبوطا سريعا للأسعار ما يتوجب دراسته، ومحاولة معرفة الاتجاهات، والعوامل الأكثر تأثيرا والأكثر تأثرا. وهذا لن يتم إلا بوجود مراكز أبحاث استراتيجية ومستقبلية في الجامعات، تسعى لعمل أبحاث متعددة التخصصات، وترتبط أجندتها البحثية السنوية بالحاجة المجتمعية، مراعية التنوع البيئي والإنساني لهذه البيئة. وبالله التوفيق.
إنشرها