Author

وزارة التعليم .. وتعليم الأجيال إدارة الأموال

|
حذر خبراء مختصون من أن الآباء في الإمارات كثيرا ما يهونون من أهمية غرس العادات السليمة المتعلقة بتوفير المال لدى أطفالهم في سن مبكرة، ما يؤدّي إلى بروز جيل من الشباب يواجه صعوبات في التأقلم مع الضغوط المالية. وأضاف الخبر الذي نشرته صحيفة «الرياض» في عددها رقم 17334 أن القدرة الشرائية العالية التي يتمتع بها الآباء ـــ من مواطنين ومقيمين في الإمارات ـــ إلى جانب نمط الحياة الراقي، يجعلان من الصعب إعداد الأطفال لمواجهة الواقع في المستقبل وما ينطوي عليه من تحديات. وتشير أحدث الأرقام الصادرة عن صندوق النقد العربي إلى أن الإمارات تضمّ أكبر المنفقين في المنطقة، كذلك وجدت دراسة أعدها بنك "إتش إس بي سي" خلال العام الجاري أن 71 في المائة من البريطانيين المقيمين في دبي يشعرون بالقلق من عدم كفاية ما سيملكونه من مال عند التقاعد. وشدد الخبراء من مجموعة نيكزس - الشركة البارزة في مجال الاستشارات المالية في المنطقة - على أهمية اتخاذ تدابير متأنية لضمان إدراك الأطفال في الإمارات وفهمهم قيمة المال ومنافع الادخار. وقد قدمت الشركة مجموعة من التوصيات والنصائح للآباء والأمهات لغرس الطرق المالية الفعالة والعادات الادخارية السليمة لدى الأطفال في سن مبكرة ومنها: مشاركة الأطفال في خطط التوفير العائلية، وتزويد الأطفال بمبلغ نقدي ثابت ودوري من سن مبكرة، وتشجيع الأطفال على الكسب من خلال تأدية مهام منزلية معينة ذات منفعة مادية، وفتح حساب مصرفي في سن مبكرة، وتشجيع الأطفال على التوفير لفترات زمنية أطول. وكنت أتمنى من شركة نيكزس أن تطرح الموضوع بشيء من العمق وتبتعد عن السطحية فظاهرة كهذه لا تخص الإمارات وحدها بل هي قاسم مشترك لجميع شعوب الأرض ودول العالم. فهناك أسباب وراء بقاء الناس بعيدين عن أسرار جني المال وإدارته يفترض أن نبينها قبل طرح الحلول والتوصيات. علينا أولا أن نتعرف على الأسباب التي أوصلت الناس ـــ ليس فقط في الإمارات بل في غالبية دول العالم ـــ إلى المبالغة في الإنفاق ما انعكس بالطبع على الأبناء والبنات. يجب أن نعرف أن تعليم الأطفال سلوكيات إدارة الأموال الفردية ليس بالأمر السهل ولن يستطيع أولياء الأمور أن يؤدوا هذه الوظيفة لأنهم "الآباء والأمهات" لا يملكون القاعدة المعرفية ولا الأساليب الفنية التي تمكنهم من إدارة أموالهم فكيف ينقلونها إلى أطفالهم؟ ففاقد الشيء لا يعطيه. ونحن لا نلوم الآباء، ولا الأمهات، ولا الكبار، ولا الصغار، ولكننا نوجه اللوم مباشرة لمنهجية التعليم السائدة في جميع دول العالم، تلك المنهجية التي تتعمد إبعاد الناس عن إدارة أموالهم وتعليمهم قيمة المال وآليات عمله. فالسبب الجوهري وراء كل هذه التصرفات غير العقلانية والسلوكيات المالية الحمقاء يرجع إلى المنهجية المتبعة لمؤسسات التعليم ومناهج التعليم على مستوى العالم. فجميع المناهج بلا استثناء في غالبية دول العالم المتقدم والنامي والأقل نموا مبتعدة كليا عن تعليم الناس الطرق الأساسية للحياة الواقعية ومنها كيفية إدارة الأموال الشخصية. دعونا من الإمارات ودعونا من دول المشرق والمغرب ولننظر إلى مناهجنا هنا في بلادنا ولنأخذها مثالا لإثبات صحة ما أقول لنرى كيف تركز بشكل مبالغ فيه على المواد العلمية والمعرفية والدينية واللغوية وتتحاشى تعليم الناس ما ينفعهم ويعينهم في الحياة الواقعية. خذ على سبيل المثال مادة الرياضيات كيف تحشو عقول وقلوب أبنائنا وبناتنا بالمعادلات والرسوم والطرق الإحصائية واللوغاريثمات، بينما في الحياة الواقعية لا يتطلب منهم كل هذا الكم الهائل، يحتاجون فقط إلى معرفة العمليات الحسابية الأربع "الجمع، والطرح، والضرب، والقسمة" فقط لا غير. الموضوعات التي تقدم لطلاب في المدارس في مادة الرياضيات تعد الطالب لأن يكون فيزيائيا أو إحصائيا أو عالما في الرياضيات. ألا يعد هذا انحرافا وبعدا عن منهج الحياة الحقيقية وإعداد الشبيبة للحياة الواقعية؟ لننظر إلى مادة العلوم وما فيها من حقن عقول الطلاب بمفاهيم بعيدة عن واقعهم. حيث يبدأ الأمر بالتعرف على الذرة وتقسيماتها من بروتونات وإلكترونات حتى نواة الذرة أدخلوا العقول الغضة فيها. بعد ذلك ينتقلون بهم إلى الجدول الدوري والعناصر والفلزات واللافلزات ثم يأتي في مستوى متقدم الكرموسومات وعلم الوراثة والجينات والطفرات. وتتفرع مادة العلوم إلى عدة فروع في المرحلة الثانوية "كيمياء، وفيزياء، وأحياء، وجيولوجيا". وكل علم من هذا يدخل الطالب في عمق نظرياته ونماذجه وعلمائه فيشتت ذهنه ويضع في عقله مفاهيم معقدة ورموزا مبهمة وألغازا محيرة. يتخرج الطالب دون أن تكون له المقدرة على فك تلك الرموز ويمضي سنين من حياته في علوم لا يستفيد منها في حياته ولا بعد مماته. دعونا نتوقف قليلا عند فكرة من قال إن المال رأس كل خطيئة؟ من قال إن ديننا يحرض على كره المال؟ ألم يقل رسول الله ـــ صلى الله عليه وسلم ــــ لعمرو بن العاص "نعم المال الصالح في يد العبد الصالح"؟ ألم يقل عليه أفضل الصلاة والسلام لمن أتوه من فقراء المهاجرين يشكون فقرهم وربح أهل الأموال ''ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء''. المال فضل ونعمة وخير وبركة وقوة فعلى وزارة التعليم أن تعيد هيكلة مناهجها بما يتناسب والحياة الحقيقية للفتيان والفتيات وتعلمهم طرق كسب المال وأساليب تنميته وآليات المحافظة عليه بمنهجية علمية حتى يبتعدوا عن الإسراف والبذخ الذي يؤدي إلى الحاجة والفاقة وقلة ما في اليد ومن ثم يضطرون إلى الحصول على المال بالطرق المحرمة أو المشبوهة كالربا والسرقة والرشوة.
إنشرها