Author

دور مجلس الشورى تجاه لائحة رسوم الأراضي

|
عضو جمعية الاقتصاد السعودية
صرح وكيل وزارة الإسكان للأراضي والتنظيم الإسكاني مطلع الشهر الجاري لإحدى الصحف المحلية، بأن وزارة الإسكان سترفع آلية تطبيق الرسوم على الأراضي البيضاء بعد الانتهاء منها للمقام السامي، وأنها ستطبق في موعدها المحدد في الثالث من شهر رمضان المبارك، وسيشمل "الأراضي داخل النطاق العمراني التي وصلتها الخدمات"، ولم يؤكد الوكيل تطبيقها على الأراضي البيضاء خارج النطاق العمراني التي لم تصلها الخدمات. على الرغم من أن التصريح الصادر عن وزارة الإسكان فيما يتعلق باللائحة التنفيذية لنظام الرسوم على الأراضي البيضاء، جاء مختصرا جدا، إلا أنه تضمن عبارة تدعو إلى القلق الشديد، تحمل خلفها ما يمكن القول عنه باختصار شديد أيضا؛ إن نظام الرسوم على الأراضي البيضاء يتجه إلى عدم تطبيقه كما ارتأى المشرع، وعدم قدرته على الوفاء بحل أزمة الإسكان المحلية، كونه سيتركز فقط على "الأراضي داخل النطاق العمراني التي وصلتها الخدمات"، وإن مضت الآلية وفق هذا السيناريو ، فهذا يعني إلى حد بعيد ما يشبه تعطيل نظام الرسوم على الأراضي البيضاء عن العمل، ويعني أيضا منح الضوء الأخضر لاستمرار احتكار الأراضي، الذي لأجل محاربته والحد من آثاره السلبية تم في الأصل إقرار هذا النظام! كما ستزداد خطورة عدم تطبيق نظام الرسوم على الأراضي بصورة أكبر، حال اشترطت اللائحة التنفيذية "اكتمال وصول تلك الخدمات" وليس بعضها! بمعنى أن الأرض لن يتم تطبيق الرسوم عليها إلا في حال اكتمال وصول الخدمات كافة إليها، وفي حال وصول بعضها وغياب بقية الخدمات فإنها ستعفى من تطبيق الرسوم عليها. أؤكد قياسا على ما وصلت إليه أزمة الإسكان المحلية، وبناء على تشخيص الأزمة التي لم تستثنِ من آثارها التضخمية الهائلة مترا مربعا واحدا حتى وسط الصحراء، وبناء على امتداد الآثار التضخمية الكبيرة إلى كل ما تم تشييده على تلك الأراضي من عقارات، تخطى عمر بعضها سقف 40 عاما، وارتفعت معها إيجاراتها السنوية، إلى أن تجاوزت إيراداتها لسنة واحدة فقط بأسعار الفترة الراهنة، مجموع تكلفة شراء الأرض وبناء العقار قبل عشرات الأعوام! أؤكد مرة أخرى؛ أنه وفقا لتلك المعطيات وغيرها مما سبق الحديث عنه فيما يتعلق بأزمة الإسكان المحلية من أسباب وتشخيص، أصبح معلوما تمام العلم لدى الجميع، أن آلية لائحة الرسوم على الأراضي وفق هذه الاشتراطات المعوقة لتطبيق النظام؛ لن تقف آثارها السلبية عند مجرد عدم قدرتها على المساهمة في حل أزمة الإسكان، وفك الاحتكار عن الأراضي بتلك المساحات الشاسعة داخل المدن الرئيسة "تسيطر على أكثر من 55 في المائة من مساحاتها"، بل قد تمتد إلى إعادة الروح إلى الآفات التي تسببت في تفاقم الأزمة، وأول تلك الآفات "احتكار الأراضي"، التي ستغذي بدورها بقية التشوهات التي تشكلت في السوق العقارية المحلية طوال العقود الماضية، وهذا بدوره سيؤدي إلى اتساع وتضخم رقعة الأزمة الإسكانية أكثر مما هي عليه في الوقت الراهن، وإلى عودة الأسعار السوقية المتضخمة إلى الارتفاع مرة أخرى، إلا أنها هذه المرة ستكون أكثر فتكا مما سبق أن حدث قبل موجتها التصحيحية 2015 ــ 2016، وقد لا تجدي بعدئذ أية حلول أو تعديلات لاحقة على اللائحة التنفيذية استدراكا لتلك الآثار السلبية التي لم تحسب لها وزارة الإسكان، بل قد تدخل السوق العقارية والاقتصاد الوطني في منعطفات تفوق آثارها السلبية حجم الإمكانات والموارد المتاحة، وهذا ما لا يمكن تقدير خسائره الوخيمة بأرقام اليوم مهما بلغت قدرتنا على التنبؤ. لقد سبق أن اقترحت هنا، إحالة اللائحة التنفيذية للرسوم على الأراضي بعد انتهاء إعداد صيغتها النهائية، إلى مجلس الشورى بالخطوات نفسها التي تمت حينما أقر النظام. الهدف الرئيس من هذا المقترح هو الوصول إلى صيغة تنظيمية منيعة جدا، ترتقي إلى ترجمة حقيقية لروح وأهداف النظام، بصورة تلغي أية فروقات أو ثغرات بين النظام واللائحة، وأن تأتي متطابقة تماما بنسبة لا تقل عن 100 في المائة، وتكون مؤهلة لأن تمنع أية احتمالات مهما كانت نسبتها للتلاعب والالتفاف على نظام الرسوم على الأراضي البيضاء من أي طرف كان. وهو ما يجب أن تتنبه إليه اللجنة المشكلة من تلك الجهات الحكومية، وأنه من الضرورة بمكان أن ترتقي عمليا جميع نصوص مواد اللائحة التنفيذية من حيث الدقة، والتركيز غير المفضي للتشتت والضبابية، والوضوح التام غير القابل لتعدد التأويلات والتفسيرات التي قد تضعف كثيرا من تطبيق النظام، والشمولية اللازمة إلى الدرجة الكفيلة بإلغاء أية احتمالات للتلاعب أو التحايل أو التهرب أو الالتفاف على مواد كل من النظام واللائحة، لتصل إلى المستوى المؤهل فعليا لتحقيق أهداف النظام المنصوص عليها، والتي تحددت في الأهداف الثلاثة التالية: (1) زيادة المعروض من الأراضي المطورة بما يحقق التوازن بين العرض والطلب. (2) توفير الأراضي السكنية بأسعار مناسبة. (3) حماية المنافسة العادلة، ومكافحة الممارسات الاحتكارية. لقد أثبت مجلس الشورى نجاحا كبيرا على مستوى نظام الرسوم على الأراضي البيضاء، تبينت أهمية وفاعلية دوره في إضفاء الكثير من القوة والشمولية على مشروع الرسوم على الأراضي البيضاء، بدءا من تحويله إياه من مجرد تنظيم إلى نظام، وانتهاء بإلغائه عديدا من الثغرات والاستثناءات غير المجدية التي امتلأت بها المسودة الأولى للمشروع. بناء عليه؛ تعتبر الخطوة ما قبل الأخيرة المتمثلة، بضرورة اضطلاع مجلس الشورى بالأدوار المهمة جدا للتدقيق والمراجعة والمقارنة والتقييم النهائي لمواد اللائحة التنفيذية لنظام الرسوم، أؤكد أنها الخطوة التي لا تقل أهميتها وضرورتها عن كل ما سبق من جهود كبيرة بذلتها الدولة أيدها الله لأجل حل أزمة الإسكان الراهنة، وكونها أحد الإجراءات اللازم تحققها التي ستسهم في إيجاد نظام ولائحة تنفيذية على قدر متين من التوافق والانسجام، وبما يمنع لاحقا من أية احتمالات لظهور انعكاسات غير محمودة النتائج والآثار، في حال وجدت ثغرات أو نوافذ غير محسوبة للتحايل أو التلاعب أو التهرب من نظام الرسوم على الأراضي، التي لا شك أنها ستؤدي إلى تفاقم أزمة الإسكان أكثر مما سبق حدوثه، وهو ما لا يقبله أي طرف من الأطراف ذات العلاقة، وما لا يمكن للاقتصاد الوطني والمجتمع على حد سواء أن يتحمل آثاره الوخيمة ـــ لا قدر الله. إن من مصلحة وزارة الإسكان وبقية الأجهزة الحكومية ذات العلاقة، أن يتولى مجلس الشورى القيام بأدواره المهمة في هذا الخصوص، ولا يظن هنا أن الوزارة قد ترى أي تعارض بين أهدافها من جهة، وأهداف المجلس من جهة أخرى، فكلاهما يسترشد تماما برؤية وتوجهات القيادة الحكيمة في بلادنا، وبما يأمله ويطمح إليه جميع أفراد المجتمع السعودي، على مستوى أهمية إغلاق ملف أزمة الإسكان، التي ألقت بظلالها القاتمة على مختلف المستويات التنموية والاجتماعية الحيوية، وأنهما وبقية الأجهزة الأحكومية والقطاع الخاص في طريق واحد لا خلاف على أهدافه النهائية. والله ولي التوفيق.
إنشرها