Author

خرافات وأكاذيب حول سياسة المملكة النفطية

|
تتعرض المملكة لهجمة إعلامية حاقدة من كثير من الكتاب المغرضين الغربيين والشرقيين. وتركز هذه الحملة على سياسة المملكة النفطية، وذلك لدفعها إلى اتخاذ قرارات لا تصب في مصلحتها. وضمن هذا السياق نشرت أخيرا جريدة الـ "نيويورك تايمز" الأمريكية مقالا للكاتب اليهودي كوبر، الذي أمضى بعض الوقت من 2013 في إحدى جامعات قم الإيرانية. وتضمنت المقالة المعنونة How Saudi Arabia Turned Its Greatest Weapon on Itself أو كيف ارتد أعظم سلاح للمملكة عليها، جملة من الخرافات والأكاذيب عن سياسات ونوايا المملكة. وقد بدأ الكاتب مقالته بدعواه الباطلة أن الاقتصاد العالمي كان أسيرا خلال نصف قرن لدولة واحدة هي المملكة. ثم واصل الكاتب افتراءاته عندما ردد عديدا من المغالطات التي منها تسبب رفع أسعار النفط في عام 1973 في موجات التضخم العالية والبطالة المرتفعة وتفاقم السخط الاجتماعي في السبعينيات من القرن الماضي. وجن جنون الكاتب عندما ادعى أن سبب انهيار الاتحاد السوفياتي هو تراجع الأسعار الناتج عن زيادة المملكة إنتاجها في منتصف الثمانينيات. ثم واصل الكاتب هوسه محاولا إثبات أن تراجع الأسعار الأخير هو نتيجة لسياسة المملكة النفطية التي رفعت إنتاج النفط في عام 2014، محاولة الإضرار بالاقتصاد الإيراني. وقد ألغى الكاتب علم الاقتصاد وعلوم الرشد كلها بسلسلة افتراءاته، فبموجب دعاواه الباطلة ليس هناك أي تأثيرات للعرض والطلب العالمي في أسعار النفط، وليس هناك أي تأثيرات لسياسات حكومات العالم في النفط. كما ألغى الكاتب تأثير باقي المنتجين العالميين والمستهلكين في أسواق النفط العالمية، وكأنه لا توجد 47 دولة أخرى تنتج النفط. صحيح أن المملكة تملك تأثيرا قويا في إمدادات النفط العالمية، ولكنها لا تنتج سوى ثمن الإنتاج العالمي من النفط، بينما ينتج باقي العالم سبعة أثمان النفط العالمي. وتملك روسيا والولايات المتحدة إمكانات إنتاج نفط مماثلة للمملكة، ولهذا تتمتعان بنفس التأثير في الأسواق النفطية العالمية. من جهة أخرى، لا يمثل اقتصاد المملكة سوى نحو 1 في المائة من الناتج العالمي الإجمالي، ولهذا فإن تأثيرها في اقتصاد العالم محدود جدا مقارنة بباقي العالم. كما أن هناك مبالغة كبيرة في تأثير النفط في الاقتصاد العالمي، حيث يمثل الناتج النفطي العالمي نحو 1.5 في المائة من الناتج العالمي الإجمالي عند الأسعار الحالية، ونحو 4 في المائة من الناتج العالمي عند أسعار 100 دولار للبرميل. ويتجاهل الكاتب وأمثاله ـــ وبسابق الإصرار والترصد ـــ تأثير سياسات المصارف المركزية الرئيسة في العالم، خصوصا سياسات مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، والمصارف المركزية الكبرى في أوروبا واليابان والصين، التي تحدد إلى درجة كبيرة مسيرة الاقتصاد العالمي. كما يتجاهل الكاتب تأثير سياسات حكومات الدول الاقتصادية الكبرى في الاقتصاد العالمي. وتسببت سياسات المصارف المركزية غير المتزنة والسياسات المالية في الدول الغربية في إحداث موجات التضخم والبطالة خلال السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي وفي إحداث معظم المعضلات الاقتصادية عبر التاريخ. وإلقاء اللوم على ارتفاع أسعار النفط وحده هو مجرد عذر وشماعة للتغطية على فشل السياسات الاقتصادية. فلو كانت زيادة أسعار النفط قد تسببت في إحداث الكوارث الاقتصادية سابقا لأدى تراجع أسعار النفط الحالي إلى إحداث طفرات اقتصادية عظيمة في الدول الغربية والدول المستوردة للنفط هذه الأيام. أما ادعاء أن سياسة المملكة النفطية تسببت في انهيار الاتحاد السوفياتي فهو استخفاف واضح بعقول القراء وطمس للحقائق التاريخية التي أدت إلى انهيار النظرية الاشتراكية. وكان الاقتصاد السوفياتي ثاني اقتصاد عالمي، كما كان يملك جيوشا جرارة هزمت ألمانيا النازية، لكنه انهار بشكل مفاجئ بسبب سياسات التخطيط المركزي والتحكم في كميات الإنتاج والأسعار، والإنهاك الاقتصادي من سباق التسلح المحموم مع الغرب، وفشل السياسات الاشتراكية في تحقيق النمو الاقتصادي والتقدم والرفاه والعدل والمساواة التي وعد بها، والظلم والطغيان والاستبداد والفساد الذي مارسته النخب الحزبية الشيوعية الحاكمة بحق شعوب البلدان الاشتراكية، وتحويل الأغلبية إلى خدم لهذه النخب. وتتكرر ادعاءات هذا الكاتب وأمثاله نتيجة لحقد دفين يضمرونه للمملكة ورغبة في الإساءة إليها بأي طريقة. ويفسر هؤلاء الكتاب كل خطوة تتخذها المملكة بطريقة سلبية ومسيئة، فإذا ارتفعت الأسعار كان ذلك للإضرار بالاقتصادات الغربية، وإذا تراجعت كانت للإضرار بروسيا أو إيران أو المنتجين الأمريكيين. وفي هذا يناقضون أنفسهم، فلو كانت المملكة تقف مع المعسكر الغربي فلن تسعى إلى الإضرار به من خلال رفع الأسعار. حيث إن هناك تضاربا واضحا في نتائج السياسات المختلفة، والمملكة عبر تاريخها دولة متزنة وتتبنى سياسات رشيدة تستهدف دعم الأمن والسلم الدوليين، وتسعى إلى بناء علاقات مودة وسلام مع جيرانها والعالم أجمع. وتتبنى المملكة ـــ مثلها مثل أي منتج آخر ــــ سياسة نفطية تهدف إلى تعظيم استفادتها من هذا المورد الاقتصادي الحيوي. وتستهدف سياساتها النفطية تعظيم مصالحها، ويتخذها مسؤولون عقلاء، يستحيل أن يتسببوا في الإضرار بالآخرين وصناعة الأعداء، من خلال إلحاق أضرار مضاعفة باقتصادها ومصالح شعبها. فخفض الأسعار يضر بالمملكة بدرجة أكبر من أي دولة أخرى لكونها أكبر مصدر للنفط في العالم. من جهة أخرى فإن رفع الأسعار بمعدلات قوية يؤثر سلبا في منافع المملكة طويلة الأجل، ولهذا تعارض المملكة أحيانا رفع الأسعار لأنها تريد المحافظة على مصالحها طويلة الأجل التي هي في النهاية في مصلحة جميع المنتجين، كما تضع نصب عينيها عدم إلحاق أضرار بالغة بالمستهلكين، وإجبارهم على التحول إلى مصادر الطاقة الأخرى.
إنشرها