Author

الراتب .. والعقار وفواتير المياه

|
عضو اللجنة المالية والاقتصادية ـ مجلس الشورى
لم يبقَ مختص في الرأي الاقتصادي إلا وتحدث عن مشكلة العقار، ومنذ مدة كتبت مقالا عن العلاقة بين العقار والكساد، بعنوان "ارتفاع أسعار العقار هل يقود إلى الكساد الاقتصادي"؟ والرابط بين أسعار العقار والكساد هو الراتب، أو لنقل دخل المواطن. فمع الارتفاع المذهل للعقار بسبب التمويل المصرفي غير المدروس في فترة سابقة وصلنا إلى أنه لا يمكن لمواطن عادي من الطبقة المتوسطة أن يشتري عقارا أيا كان نوعه دون أن يقترض أو يجد تمويلا مصرفيا، لن أتحدث كثيرا عن العلاقة بين ارتفاع أسعار العقار والتمويل الجائر، لكني سأعود إلى ما ذكرته من قبل من أن الكساد أو التباطؤ الحاد كـ "مقدمة للكساد" في الاقتصاد سيحدث ـــ لا قدر الله ـــ إذا استمرت المصارف في تقييم العقار بناء على الراتب المرهون وليس على العقار المرهون نفسه، وما زلت أقول إن إجبار العملاء على تحويل الراتب أمر لا يخدم الاقتصاد أبدا، وإن كان يخدم المصارف جزئيا، فالمصارف تتساهل في تقييم العقار. ورغم التحذير الذي أطلقه عديد من المختصين حول التمويل المصرفي للعقار إلا أن المبادرات تسير عكس الحل المنتظر، ولكي أكون واضحا أحيل القارئ الكريم أولا إلى جزء من مقالي السالف الذكر، حيث قلت حينها إن استمرار ارتفاع القروض العقارية يقود إلى أمرين الأول أن المواطن متوسط الدخل يدفع الآن أكثر من ثلث راتبه لتسديد الأقساط المصرفية، والأمر الثاني أن ارتفاع العقار والفوائد المصرفية سيقود حتما إلى ارتفاع أسعار الإيجارات، وهذا بدوره سيجعل الموطن متوسط الدخل ممن لم يتورط مع المصارف يدفع أيضا أكثر من ثلث راتبه في الإيجار، وبهذا فإن دورة الأعمال الاقتصادية ستبدأ عملها، مع مواجهة عديد من المؤسسات الاقتصادية ظروفا تؤدي إلى رفع الأسعار تبعا لذلك، وهكذا ندخل دائرة مفرغة من الارتفاع المتواصل بين أسعار الفوائد والأسعار، وبينهما ينهك المواطن البسيط وراتبه الأبسط وسيظل حتما في مواجهة أعباء الحياة وستبدأ السلع الكمالية في الخروج من السوق تباعا ومعها موظفون وديون سيئة للمصارف، وتستمر الضغوط على الاقتصاد، ويرمي كل قطاع بثقله على الآخر. ولأننا لا نبادر بالحل، وبسرعة ونجامل المصارف كثيرا، فهذه بعض الظواهر التي بدأت تطفو على السطح، فشركة المياه تريد رفع الأسعار لتبريرات عدة، وقامت بتطبيق الأسعار الجديدة التي بلغت حدودا قصوى عند بعض المواطنين، ثم لما أكد الموطنون من خلال الاعتراضات عدم قدرتهم على السداد جاء الحل بالتقسيط، وهكذا فإن الضغوط على الرواتب ستتضاعف، ومن عدة جوانب، الأول رفع أسعار المياه سيؤدي إلى الضغط على الراتب بشكل سيحد من القوة الشرائية للمواطنين أو القوة الادخارية لديهم، وثانيا أن هذه المشكلات لها تأثير عميق خاصة إذا أضفنا إليها حجم الاستقطاع من الراتب الذي يبلغ 75 في المائة في بعض الحالات، فلو كان راتب الموظف عشرة آلاف ريال واستقطع المصرف 7500 قسط العقار، وبقي له 2500، منها 500 ريال للمياه و500 للكهرباء، و500 ريال للاتصالات، فكم بقي ليشتري له طعاما للأسرة، فضلا عن أن يقوم بجولة سياحية في ربوع بلادي. وقبل أن يتمكن من القيام بعمرة مثلا فإن عليه استكمال أثاث المنزل الذي يبدو مستحيلا في ظل هذه الأسعار. هذا ما أقصده تماما، ستبدأ القطاعات تأكل من بعضها البعض، وستبدأ الوظائف تتآكل، وسنكون أمام حتمية التباطؤ الحاد، وهكذا سينعكس في النهاية على شركة المياه والمصارف، التي تضغط الآن بقوة على الجميع. فالمشكلة الأساسية أن الكتلة الرئيسة التي تستطيع الشراء هي موظفو الدولة، ومنهم أكثر من 500 ألف معلم ومعلمة هم أكثر المستفيدين من التمويل العقاري، وهم أيضا أكثر المتضررين منه، نعم هناك قريب من 1500 ألف موظف في القطاع الخاص، لكن رواتب القطاع الخاص لا ترقى لأن تكون ركيزة كبيرة في القوة الشرائية، ففي دراسة قريبة للبنك الدولي لم يتجاوز متوسط الراتب 6500 ريال، إذاً نحن أمام مستويات رواتب لا يمكن أن تسهم في دعم القوة الشرائية للمواطنين فيما لو قامت كل جهة برفع الأسعار، بهذا الشكل. لا بد من نظرة إيجابية للدعم، لا بد من بقاء الدعم حتى تصحح مشكلة العقار والمصارف والإيجارات، لا بد للقطاعات الأخرى أن تنتظر قليلا، وأن تقوم هي بالبحث عن مصادر للتمويل، مثل تحويل جزء من أعمالها إلى سوق الأسهم واشتراك المواطنين وتشجيعهم على الاكتتاب. فسوق الأسهم مخرج ضخم لنا من أزمة العقار، ومع ذلك لم تفعّل هذه السوق بسبب تجربة انهيار عام 2006. سوق الأسهم مصدر رئيس لتمويل المواطنين من خلال استثمار أموالهم ودفع عوائد سنوية لهم. إذا كانت بعض المؤسسات الاقتصادية والتنموية تواجه مشكلات خاصة مثل الهدر وسوء الاستخدام فإن الحل برفع الأسعار ليس هذا أوانه أبدا، نحن نواجه وضعا اقتصاديا دقيقا ونحتاج إلى عمل متوازن، قد نواجه في السنوات المقبلة ضغوطا أكبر. لنعمل جميعا وبتركيز شديد على حل مشكلة العقار أولا، وحل مشكلة التمويل واستقطاع 75 في المائة من الراتب، وحل مشكلة رهن الراتب، ثم بعدها لكل حادث حديث.
إنشرها