Author

ماذا تعرف عن التمويل العقاري؟

|
أكثر ما يحفز الشخص للحصول على تمويل عقاري هو إيجاد وحدة سكنية تناسب احتياجاته بسعر يتوافق مع دخله، وتوافر قرض بنسبة ربح منخفضة، لتكون الحصيلة تمويلا عقاريا بتكلفة منخفضة ودفعات ميسرة لا تثقل كاهل المقترض، وتجعل من هذا السكن مرتعا آمنا مريحا، بدلا من أن يكون وسيلة لضيق ذات اليد ومصدرا من مصادر القلق المادي، لذلك حرصت الحكومات على محاولة الموازنة بين سوق المال والسياسات النقدية من جهة لتيسير التمويل العقاري بهامش ربح منخفض خاصة للراغبين في التملك لأول مرة، وسوق العقار من جهة أخرى، وذلك بإصدار تشريعات وأنظمة محفزة للتطوير لزيادة العرض، لينتج عنه كبح جماح ارتفاع الأسعار، الذي يضر أغلبية المواطنين ويجعل من تملك السكن حلما بعيد المنال، لذا من المهم رفع مستوى الوعي الشعبي في مجال التمويل بشكل عام والتمويل العقاري بشكل خاص لما يمثله من التزام طويل المدى، وفيما يلي سأحاول توضيح أساليب التمويل العقاري السكني بشكل مبسط ليستوعبه غير المتخصص، وتتضح أهم النقاط الواجب أخذها في عين الاعتبار في صيغ التمويل العقاري المتاحة في الواقع العملي، ولن أتطرق إلى الجانب الشرعي من الموضوع، لأن له مختصيه الذين أشبعوه بحثا ودراسة، ولكن من المهم في هذا الصدد أن نفرق بين الممارسات والمبادئ، فمثلا من المهم أن نفرق بين ممارسات المسلمين في الواقع وشريعة الإسلام السمحة، ومن هذا المنطلق فلا بد أن نفرق بين مبادئ الاقتصاد والمصرفية الإسلامية وممارسات المصارف التي تتبنى فكرة المصرفية الإسلامية. أنواع التمويل العقاري السكني متعددة وأبرزها صيغتا المرابحة والإجارة، وتعتمد كلتا الصيغتين على أن تشتري الجهة الممولة لطالب التمويل عقارا سكنيا بسعر اليوم وتبيعه عليه بالتقسيط بسعر أعلى، وهنا تبرز أهمية نسبة الربح بالزيادة بين سعر العقار اليوم وإجمالي تكلفة التمويل التي يقسطها طالب التمويل على المدى البعيد سواء كان عشرة أعوام أو 20 عاما أو غيرهما، وما يميز صيغة المرابحة هو أن إجمالي التكلفة معلوم وثابت بسبب ثبات نسبة الربح على قيمة القرض طوال مدة السداد، وبالتالي لن يواجه طالب التمويل أي زيادات في قيمة قسطه طوال فترة السداد التي تجعل من التخطيط المالي للشخص أكثر يسرا وسهولة، في المقابل ستكون نسبة الربح التي يعرضها مقدم القرض أعلى للتعويض عن هذا الثبات على المدى البعيد، بينما نجد في صيغة الإجارة أن تكلفة التمويل متغيرة لأن الأقساط تعتبر إيجارا يمكن للممول تغييرها وفقا لمؤشر معلوم وهو مؤشر "سايبور" الذي يعني تكلفة الإقراض بين المصارف السعودية، ولذا فسلبية هذه الصيغة أن قيمة قسط السداد غير ثابتة على المدى المتوسط والبعيد ومتأثرة بحركة أسواق المال، ولكي نعلم حجم المغامرة التي تنطوي على هذا النوع من التمويل العقاري الذي يكون في غالبه بين 15 إلى 25 سنة، لننظر إلى حجم التغير في مؤشر السايبور خلال الأعوام العشرة الماضية فقط وكيف أنه دخل في موجة ارتفاعات وانخفاضات متباينة أدت إلى تغير الأقساط لهذا النوع من التمويل بشكل كبير، حيث كان السايبور خلال 2006 و2007 يتذبذب بين المدى 4.8 في المائة إلى 5.2 في المائة ثم هبط إلى 2.2 في المائة خلال الربع الثاني من 2008 ليعاود الارتداد إلى 4.6 في المائة في الربع الأخير من 2008، ثم ينخفض إلى مستويات متدنية عقب أزمة الرهن العقاري في أمريكا ليستقر بين 0.8 في المائة إلى 1 في المائة خلال السنوات الست تقريبا منذ بداية 2009 حتى الربع الرابع من 2015 ليبدأ الصعود إلى مستويات جديدة لم تشهدها السوق السعودية خلال السنوات السبع الماضية ليصل أخيرا إلى قرابة 2 في المائة، لذا وبعد استعراض هذه السلسلة من التغيرات في السايبور خلال عشر سنوات فقط، يتضح لنا أن القروض التي يتم أخذها على المدى البعيد وفقا لتغير السايبور معرضة لمخاطر التذبذب الحاصل فيه، ولذلك فالتمويل العقاري لا ينصح أبدا بأن يكون خاضعا لهذه التغيرات التي لا يمكن التنبؤ بها على المدى البعيد. الخلاصة، ما يناسب التمويل العقاري طويل المدى هو صيغة المرابحة، ومن المهم أن يستوعب الشخص تأثير القرارات المالية التي يتخذها ويحاول القراءة والاستفسار وجمع المعلومات اللازمة لتتضح له الفكرة الأساسية من التمويل وصيغته، وهذا بالطبع لا يعفي الجهات الممولة من مسؤولية توعية العميل وتوضيح الحقائق له، لأن بعض مندوبي المبيعات في تلكم الجهات الممولة يبلغ العملاء أن التغير في الإجارة ناتج من إعادة تقييم العقار، وهذا يعد تضليلا واضحا للعميل إما بجهل أو سوء نية، لأن تغير قسط الإجارة مرتبط بمؤشر السايبور وليس بسوق العقار، والبعض يحاول طمأنة المقترض أن التغير في مؤشر السايبور بسيط وغير مؤثر، وهذا كذلك تضليل يرد عليه ما تم استعراضه من تقلبات في مؤشر السايبور خلال الأعوام العشرة الماضية، لذا فالمسؤولية مشتركة بين طالب التمويل ليرفع مستوى وعيه عند الإقدام على التمويل العقاري وكذلك مندوبو جهات التمويل العقاري، ليحصلوا على التدريب اللازم لهذا النوع من الإقراض، وليوضحوا الحقائق بشكل سليم وبشفافية عالية.
إنشرها