Author

الإصلاح سيطول العقار.. تضاعف للمعروض وتراجع للأسعار

|
عضو جمعية الاقتصاد السعودية
سجلت السوق العقارية السعودية بنهاية 2015 أول تراجع لها في إجمالي قيمة صفقاتها خلال عقد زمني مضى 2006ــ2015، لتنخفض بالمقارنة مع إجمالي قيمة صفقاتها خلال عام 2014 بنسبة 22.5 في المائة، مستقرة بنهاية 2015 عند مستوى 348.4 مليار ريال، مقارنة بمستواها الأعلى الذي سجلته السوق العقارية خلال عام 2014 عند 449.7 مليار ريال. كما جاء إجمالي قيمة صفقات السوق العقارية لعام 2015 أدنى من إجمالي قيمة الصفقات لعام 2013 بنسبة 16.9 في المائة، وأدنى كذلك من إجمالي قيمة الصفقات لعام 2012 بنسبة 4.6 في المائة (إجمالي قيمة صفقات السوق لعام 2013 نحو 418.9 مليار ريال، ولعام 2012 نحو 365.2 مليار ريال). تأثرت السوق العقارية تجاه هذا الانخفاض الكبير في قيمة صفقاتها، بالانخفاض القياسي الذي طرأ على صفقات أغلب أنواع العقارات المبيعة خلال العام، جاءت أعلى نسب التراجع المسجلة على كل من قيمة الصفقات العقارية على الأراضي الزراعية بنسبة انخفاض بلغت 60.0 في المائة، تلتها قيمة الصفقات العقارية على الفلل بنسبة انخفاض بلغت 58.1 في المائة، تلاها قيمة الصفقات العقارية على المراكز التجارية بنسبة انخفاض بلغت 38.1 في المائة، تلتها قيمة الصفقات العقارية على العمائر بنسبة انخفاض بلغت 35.0 في المائة، ثم جاءت قيمة الصفقات العقارية على قطع الأراضي بنسبة انخفاض بلغت 21.4 في المائة. #2# وجاء التأثر الأكبر للانخفاض في قيمة صفقات السوق العقارية من الانخفاض الذي طرأ على قيم صفقات كل من الأراضي الزراعية وقطع الأراضي، كون صفقات هذين النوعين من العقارات تشكل النسبة الكبرى من صفقات السوق العقارية، التي وصلت بنهاية عام 2015 إلى نحو 90.0 في المائة من إجمالي قيمة صفقات السوق، في حين ترتفع نسبة مساحات الصفقات على الأراضي إلى إجمالي مساحات صفقات السوق إلى نحو 99.1 في المائة! ويمكن فهم هذا التراجع القياسي في قيم الصفقات على الأراضي بجميع أنواعها الزراعي والتجاري والسكني نتيجة لعدة اعتبارات، لعل من أهمها دخول العديد من الإجراءات والأنظمة على السوق خلال العام الماضي، لعل من أبرزها الإعلان عن إقرار نظام الرسوم على الأراضي البيضاء داخل المدن والمحافظات، إضافة إلى انخفاض حدة المضاربات على الأراضي نتيجة انخفاض مستويات السيولة في الاقتصاد والسوق على وجه الخصوص، نتيجة الانخفاض الحاد الذي شهدته أسعار النفط في الأسواق العالمية، وانعكاسه المباشر والكبير على تدفقات الميزانية العامة للحكومة، ويتوقع اتساع واستمرار تلك الانخفاضات خلال العام المقبل، خاصة بعد البدء الفعلي لتطبيق نظام الرسوم على الأراضي المرتقب تطبيقه مع حلول منتصف عام 2016 بمشيئة الله تعالى. آثار نظام الرسوم على الأراضي البيضاء يظهر من الوهلة الأولى لإعلان الموافقة على نظام الرسوم على الأراضي البيضاء داخل النطاق العمراني للمدن والمحافظات والمراكز، التي ستليها فترة لن تتجاوز العام، سيتخللها إقرار نظامها ولائحتها التنفيذية بعد أقل من ستة أشهر، ثم يبدأ تطبيقه عمليا بعد ما لا يتجاوز ستة أشهر من تاريخ نشره في الجريدة الرسمية “أم القرى”، تؤكد التطورات المتسارعة التي تمر بها السوق العقارية في الوقت الراهن؛ أن وتيرتها ستأتي أسرع بكثير مما كان متوقعا، وأن جانب عروض بيع الأراضي سيشهد اتساعا كبيرا خلال الفترة المقبلة، وهو الأمر الإيجابي الذي يتوافق تماما مع الهدف الرئيس لإقرار نظام الرسوم على الأراضي البيضاء، الذي تركز على تفكيك دائرة الاحتكار المسيطرة عليها بمساحات شاسعة جدا، مقابل تداول ما لا يتجاوز 10.0 في المائة من مساحاتها بيعا وشراء على مستوى كامل السوق العقارية، وأن تلك الرسوم تمثل في الوقت الراهن أمام التشوهات الجاثمة على السوق، الأداة الأكثر فاعلية لتحرير بقية الأراضي المكتنزة لدى ملاكها دون التفكير من قبلهم في تطويرها أو الانتفاع منها، وهذا بدوره سيقود السوق العقارية إلى تحقيق التوازن المفقود تماما بين قوى العرض والطلب، الذي سيؤدي لاحقا إلى توازن الأسعار المتضخمة في الوقت الراهن، ويعيدها إلى مستويات أكثر عدالة مما هي عليه الآن، تستقر في مستويات أدنى بكثير من مستوياتها الراهنة المتضخمة سعريا، وتعكس فعليا تعادل قوى الشراء بناء على مستوى دخل الأفراد وقدرتهم على الاقتراض من جانب، ومن جانب آخر وفرة العروض من الأراضي المطورة الصالحة للبناء والتشييد والاستخدام السكني. وفقا لما تقدم؛ يتوقع مع اقتراب السوق العقارية شهرا بعد شهر من الموعد الرسمي لبدء تطبيق الرسوم على الأراضي، أن تتزايد بصورة أكبر العروض العقارية من قطع الأراضي السكنية بالدرجة الأولى، وبقية أنواع المنتجات العقارية الأخرى من بيوت وشقق وعمائر وفلل سكنية، وتزامن تلك الزيادة المتسارعة في العروض العقارية مع تراجع متوسطات أسعارها السوقية. ولمعرفة وتقدير نسب تراجع الأسعار السوقية، يظل مهما جدا التعرف على أن كميات ومساحات الأراضي خارج منصة التداول بيعا وشراء، تفوق في حجمها (تسعة أضعاف) حجم المتداول منها في الوقت الراهن! وهي الحقيقة الرقمية المثبتة رسميا والمستخلصة من بيانات كل من وزارة العدل وأمانات المدن الرئيسة.إن مما لا شك فيه تحت هذه الحقائق الرسمية حول تفاصيل السوق العقارية، يمكن القول إن مجرد تضاعف حجم المعروض من الأراضي السكنية مرة أو مرتين خلال عام مقبل، من شأنه أن ينعكس على مستويات الأسعار المتضخمة بالانخفاض بما لا يقل عن 50 في المائة على أقل تقدير، وقد تتجاوز نسب الانخفاض في الأسعار تلك النسبة حسب المواقع التي شهدت مضاربات سعرية حادة على الأراضي فيها، وفي ظل ثبات بقية العوامل الأخرى كتحديد نسبة الحد الأقصى للتمويل العقاري عند ما لا يتجاوز 70 في المائة إجمالي القيمة السوقية للأصل العقاري، إضافة إلى بدء المصارف المحلية في رفع سعر فائدة الإقراض فيما بينها، الذي يقف في الوقت الراهن عند أعلى مستوى له منذ عام 2009، وقيام الميزانية العامة بتمويل أي عجز فيها عن طريق إصدار سندات التنمية (دون الحاجة إلى السحب من الاحتياطي العام، وهو القرار الاقتصادي الأنسب في الوقت الراهن)، وأخيرا ارتفاع وعي الأفراد تجاه كل تلك التطورات، واقتناعهم بأنها ستؤدي فعليا إلى مزيد من انخفاض الأسعار، تؤكد خلاصة ما تقدم ذكره هنا إلى أن صخرة الأسعار المتضخمة في الوقت الراهن، قد بدأت تتصدع كما أظهرته البيانات الفعلية لوزارة العدل، وأنها في طريقها إلى مزيد من التصدع والتفكك والتراجع السعري، الذي يتوافق تماما مع أهداف صانع القرار بإقرار نظام الرسوم على الأراضي البيضاء، وهو ما يجب على الأفراد الباحثين عن شراء وتملك مساكنهم الاستفادة القصوى منه بمشيئة الله تعالى. الأثر الإيجابي لأنظمة التمويل العقاري كما تبين التطورات المذكورة أعلاه؛ أن الآثار التي ترتبت على بدء تطبيق أنظمة التمويل العقاري، جاءت إيجابية في مجملها، ولعبت دورا بارزا ومهما في الحد من نشاطات المضاربة، والتلاعب بالأسعار السوقية، بل إنها كما أثبتته البيانات الرسمية الصادرة عن وزارة العدل، قد سجلت انخفاضات ملموسة، رغم أنها لا تقارن إطلاقا بنسب الارتفاع الحادة التي شهدتها أسعار الأصول العقارية خلال العقد الماضي، التي راوحت مضاعفاتها بين خمسة أضعاف وأكثر من 20 ضعفا حسب اختلاف مواقعها. وبالنظر إلى تفاصيل قيم الصفقات العقارية السكنية، وأعداد العقارات المبيعة منها حسب مختلف أنواعها، فقد أظهرت تطورات القيمة الإجمالية لصفقات الأراضي الزراعية خلال الفترة قبل بدء تطبيق أنظمة التمويل، مقارنة بالفترة التي تلت التطبيق، أنها انخفضت بنسبة 65.6 في المائة، وانخفضت أعداد مبيعاتها للفترة نفسها بنسبة 49.7 في المائة. أما على مستوى قطع الأراضي السكنية، فقد سجلت القيمة الإجمالية لصفقاتها خلال للفترة نفسها انخفاضها بنسبة 26.5 في المائة، فيما جاءت نسبة انخفاض أعداد مبيعاتها أدنى من 7.5 في المائة. وبالنسبة لإجمالي قيمة الصفقات على الفلل السكنية، فقد سجلت انخفاضا قياسيا خلال الفترة نفسها وصلت نسبته إلى 57.4 في المائة، وانخفضت بدورها أعداد مبيعاتها بنسبة 55.3 في المائة. أما بالنسبة لإجمالي قيمة الصفقات على العمائر السكنية، فقد سجلت أيضا انخفاضا قياسيا خلال الفترة نفسها وصلت نسبته إلى 53.5 في المائة، وتبعتها أعداد مبيعاتها في الانخفاض بنسبة 53.9 في المائة. فيما لم يتراجع إجمالي قيمة الصفقات على الشقق السكنية بأكثر من 0.7 في المائة، وارتفعت بالتزامن مع الفترة ذاتها أعداد مبيعاتها بنسبة طفيفة لم تتجاوز 1.5 في المائة. أخيرا؛ جاءت تطورات صفقات ومبيعات البيوت السكنية مخالفة للتطورات السالفة الذكر، حيث ارتفع إجمالي قيمة الصفقات عليها خلال الفترة نفسها بنسبة قياسية بلغت 61.4 في المائة، وارتفعت أيضا أعداد مبيعاتها بنسبة 56.1 في المائة. بناء على ما تقدم؛ يجب على مؤسسة النقد العربي السعودي، أن تتمسك بكل ما اتخذته من إجراءات تحوطية بالغة الأهمية بشأن أنظمة التمويل الأخيرة (في مقدمتها نظام التمويل العقاري)، وأن الإجراءات الاحترازية التي رافقتها، أتت ثمرة لسنوات طويلة من دراسة تجارب الدول الأخرى في هذا المجال، من أهمها أزمة الرهن العقاري التي تفجرت في وجه الولايات المتحدة والاقتصاد العالمي نهاية 2008، مكنتها تلك الدراسات المتأنية من تحديد أهم المخاطر والصعوبات التي واجهتها الدول الأخرى، ووفرت لها فرص التعرف على سبل تجنب التورط في مثل هذه المخاطر والاستعداد المبكر لها، وهي جوانب تمت مراعاتها طوال فترة إعداد مشروعات اللوائح التنفيذية للأنظمة، كان من أهم ثمارها، تحديد سقف لإعادة تمويل أنشطة الشركات، واشتراط الحصول على ضمانات ملائمة قبل منح التمويل، واشتراط عدم تجاوز مبلغ التمويل العقاري نسبة 70 في المائة من قيمة الأصل العقاري، واشتراط التأكد من قدرة طالب التمويل على سداد التمويل قبل منحه. لهذا؛ يجب على مؤسسة النقد العربي السعودي استمرارها في عدم التهاون، تجاه التطبيق الصارم لتلك الأنظمة التمويلية، وتجاه كل ما يكفل حماية وسلامة كل من الاقتصاد الوطني وقطاعه المالي والمجتمع لأي سبب كان، خاصة بعد أن ثبت لديها بما لا يدع مجالا للشك حجم المخاطر المدمرة لأي اقتصاد حول العالم، ولقطاعاته المصرفية والتمويلية إن حدث أي اختراق لتلك الأنظمة والإجراءات الاحترازية ذات الأهمية القصوى! إن رضوخ مؤسسة النقد لأي من المطالبات الضيقة الأفق والمصالح للجنة العقارية ومن تمثلهم من تجار الأراضي، وتحديدا فيما يختص برفع نسبة الحد الأقصى للتمويل العقاري من 70 في المائة من حجم التمويل إلى أعلى من 90 في المائة، أؤكد أنه يعني تخليها التام عن حماية القطاع المالي السعودي! وأنها اتخذت قرارا بالموافقة الصريحة والرسمية على تعريض وكشف القطاع المالي لدينا أمام المخاطر الوخيمة لتراجع وانكماش أسعار الأراضي والعقارات، وأمام التشوهات الكبيرة المسيطرة تماما على السوق العقارية، تلك المخاطر التي تسعى الدولة جاهدة إلى إصلاحها بالدرجة الأولى، وإلى إخماد جذوة أسعارها المتضخمة جدا. مستقبل السوق العقارية خلال 2016 تخضع السوق العقارية المحلية لعديد من العوامل والمتغيرات القوية، ويتوقع أن تزداد تأثيراتها خلال العام الجديد بصورة أكبر مما أفضت إليه خلال العام المنصرم قريبا، فتحت ضغوط بدء تطبيق نظام الرسوم على الأراضي البيضاء داخل المدن والمحافظات، واستمرار تأثير ضغوط انخفاض أسعار النفط، وما سيترتب عليه من تقييد للإنفاق الحكومي بصورة أكثر ترشيدا، وفي ظل الإصلاحات الكبرى التي يتم تنفيذها على مستوى الاقتصاد الكلي، وعلى السوق العقارية على وجه الخصوص، وأمام إحجام أغلب أفراد المجتمع عن الشراء بالمستويات السعرية المتضخمة للأصول العقارية، على الرغم مما شهدته من انخفاضات حتى نهاية العام الماضي (تراجع متوسط أسعار الأراضي الزراعية بنسبة 40.2 في المائة، وتراجع متوسط أسعار قطع الأراضي السكنية بنسبة 22.4 في المائة، وتراجع متوسط أسعار الوحدات السكنية بنسبة 14.4 في المائة)، إلا أنها لا تزال متضخمة في حقيقتها، قياسا على موجة الارتفاع الكبيرة التي شهدتها خلال عقد زمني مضى 2006ــ2014، ومن جانب آخر يطغى شعورا كبيرا عاما لدى عموم أفراد المجتمع أن الأسعار وفقا للمتغيرات المشار إليها أعلاه؛ تتجه إلى مزيد من الانخفاض خلال العام الجاري وما سيليه من أعوام، الذي بدوره يحفز أغلب الأفراد على تأجيل وقت الشراء للاستفادة من تلك الموجة الهابطة لأسعار الأصول العقارية خلال الفترة المقبلة. كما يزيد من الضغوط الكبيرة على مستويات الأسعار المتضخمة للأصول العقارية، وتحديدا الوحدات السكنية زيادة الفائض من الوحدات السكنية الشاغرة، المتوقع أن يرتفع من نحو 970 ألف وحدة سكنية شاغرة بنهاية 2015 (14.9 في المائة من إجمالي الوحدات السكنية)، إلى أعلى من نحو 1.3 مليون وحدة سكنية شاغرة بنهاية العام الجاري الجديد (18.6 في المائة من إجمالي الوحدات السكنية). كل تلك العوامل والمتغيرات تصب في اتجاه إحداث المزيد من الضغوط على فقاعة الأسعار المتضخمة جدا، وقد نشهد مع أية تراجعات في أسعار النفط أو تصاعد مستويات تأثير المتغيرات المشار إليها أعلاه في اتجاه أكثر سلبية بالنسبة لها، كل هذا لا شك أنه سيخلف وراءه آثارا أكبر على مستويات الأسعار، وهو الأمر الذي أصبح معلوما بصورة أكبر لدى عموم الأفراد، نتيجة ارتفاع مستوى الوعي والمتابعة بتلك المعطيات الاقتصادية والمالية. عضو جمعية الاقتصاد السعودية
إنشرها