Author

المياه .. وبطالة نصف البشر

|
كاتب اقتصادي [email protected]
"المياه هي القوة الدافعة لكل الطبيعة" ليوناردو دافنشي عالم وفنان إيطالي مرعبة حقا النتائج التي توصل إليها المنتدى الاقتصادي العالمي، حول مشكلات (بل مصائب) المياه وانعكاساتها الاجتماعية والتشغيلية على البشر. ويبدو أن هذه القضية الخطيرة، ستبقى معلقة، طالما أن التوجهات لحلها أو للتخفيف منها ومن آثارها، لا تساوي عناء حراكها. المسألة ليست محصورة فقط بالجفاف ونقص المياه وتلوثها، وآثار ذلك في الصحة وحياة البشر في مناطق واسعة من العالم، بل تختص أيضا بالقوى العاملة في هذا لقطاع العالمي الحيوي، ومصير شريحة واسعة من هذه القوى. فالأمر يتعلق بروابط المياه، ودورها في الصناعة والزراعة، فضلا عن الدور الذي تلعبه على الصعيد الاقتصادي العام. إنها مسألة لا تقل خطورة عن الجوع، بل إنها مرتبطة بالجوع ومصائبه مباشرة. المياه ببساطة هي درة الأرض كافة. بعد تحذيرات المنظمات التابعة للأمم المتحدة وتلك المستقلة حول العالم، من شح المياه في غير منطقة من هذا العالم، يتوصل المنتدى الاقتصادي العالمي إلى حقيقة مفجعة، وهي أن أزمة المياه العالمية تهدد 1.5 مليار وظيفة. ماذا؟ نعم تهدد هذا العدد الهائل من الوظائف الذي يصل في الواقع إلى ما يقرب من نصف الأيدي العاملة على الساحة الدولية. أي أنه، ستكون هناك بطالة وعطش في آن معا، وعلينا أن نتخيل آثار وتبعات هذا "العطش" في الحياة، تماما كما يجب علينا أن ننظر الانعكاسات المدمرة لهذا العدد الهائل من المتعطلين عن العمل. فمع 1.5 مليار متعطل محتمل، هناك 1.8 مليار يشربون مياها ملوثة. هذه أرقام أعلنتها منظمات الأمم المتحدة نفسها. قد لا يتنبه البعض إلى أن كل القطاعات الاقتصادية مرتبطة بالمياه دون استثناء. فعلى سبيل المثال يرتفع الطلب على المياه في البلدان التي تستقطب عددا أكبر من السياح. ورغم أن هؤلاء يدفعون تكاليف استهلاكهم للمياه وغيرها في رحلاتهم السياحية، إلا أن نقص المياه لا يمكن أن يعوضه المال. فكيف ستشتري مياها غير متوافرة؟ وإن توافرت في مناطق تعاني أزمات المياه، فهي في غالبيتها غير صالحة للاستخدام الآدمي، وبعضها غير صالح للاستخدام الزراعي والصناعي أيضا! ولم تنفع "بما يكفي" كل المساعي الدولية التي بذلت في العقود الماضية، من أجل تقليل ضربات هذه الأزمة. فحتى بلد كالولايات المتحدة قادر اقتصاديا، شهد في الآونة الأخيرة أزمة مياه في عدد من الولايات. أزمة المياه العالمية تنال أيضا من تدفق الاستثمارات. فإذا كانت غالبية الصناعات معتمدة كليا على المياه، فإن نقصها أو شحها، يقف عائقا أمام جهات الاستثمارات لدخول الساحة. مع ضرورة الإشارة هنا، إلى أن القطاع الزراعي يمثل جهة جذب استثماري قوية في غالبية البلدان غير المتقدمة. وهذا القطاع على وجه الخصوص يعاني وسيعاني مستقبلا آثار أزمة المياه، وبالتالي سيكون العاملون فيه الأكثر تعرضا لمخاطر البطالة. ولم يعد غريبا، معرفة أن منطقة آسيا والمحيط الهادئ من أكثر المناطق عرضة لهذه الأزمة. ووفقا للمنتدى الاقتصادي العالمي، فإن بلدان هذه المنطقة تعاني شح المياه بما نسبته 75 في المائة، في حين أنها تستقطب نسبة متصاعدة من حجم السياحة العالمية، وحراكا متعاظما على الصعيد الزراعي. ومع تردي مستويات المعيشة في المنطقة المذكورة، يمكن تصور مصيرها فيما لو انضم متعطلون عن العمل فيها إلى البطالة الكلية. والأمر أسوأ في مناطق مختلفة من القارة الإفريقية، التي تحاول أن تلحق بالركب الاقتصادي العالمي. وحتى في بعض المناطق الأوروبية هناك أزمة مياه، لكنها تبقى الأقل أثرا، نتيجة وجود سياسات وقائية، وقوانين متقدمة في مجال الرعاية ودعم الإنتاج الصناعي والزراعي. في بلدان عديدة، تسعى الشركات العاملة فيها التي تعاني نقص المياه إلى إعادة تقييم الخطط الاستراتيجية وقرارات الاستثمار، ما يعني أن الحراك الاقتصادي في البلدان المعنية، يواجه بعبعا جديدا آخر من الداخل هذه المرة. بعض الشركات اعتبرت الأزمة مسألة وجود، أي أنها حسمت أمرها. لم تتقدم أي جهة عالمية، ولا أي مجموعة دولية بحلول ناجعة لهذه القضية. وكل ما يظهر على الساحة حاليا مجموعة من التحذيرات المخيفة حقا، تضفي مزيدا من الإحباط العام لدى البلدان المعنية والمنظمات الدولية المختصة، ناهيك عن الإحباط المرعب لدى أولئك الذين باتوا مهددين ليس فقط في صحتهم بل في لقمة عيشهم. إنها مسألة تتطلب تحركا عالميا. فتعرض 1.5 مليار نسمة لمخاطر فقدان وظائفهم، له نتائج وخيمة لن تكون محصورة في الدائرة المحلية. وحتى لو توافر المال اللازم لمواجهة الأزمة، فللقضية روابط طبيعية تحتاج إلى معالجة خاصة جدا في وقت باتت فيه هذه المعالجة ملحة جدا، جدا. ليس هناك مجال الآن للنظر إلى الأزمة من الداخل، لأنها ببساطة تجمع أولئك الذين يقبعون بالداخل وأولئك الذين ينظرون من الخارج.
إنشرها