Author

لا بد من تفعيل التعليم التقني لضمان استدامة التنمية

|
سيبقى مستقبل التنمية واستدامتها سؤالا مفتوحا، إذا لم تعتمد بدرجة مناسبة على الأيدي العاملة الوطنية، فالاستقرار والاستدامة يتطلبان خطة طموحة وواقعية تحقق الأهداف الوطنية، كون القوى العاملة الوافدة يمكن أن تغادر في أي وقت، وتحت أي ظروف سياسية طارئة. ولا يحتاج الأمر إلى خبير ليكتشف أن التعليم الفني والتقني فشلا في تلبية احتياجات التنمية من القوى العاملة المدربة والمؤهلة في مجال المهن التقنية والفنية. فهناك آلاف بل مئات الآلاف من المهنة التي يشغلها وافدون من شرقي آسيا، على الرغم من تخريج مؤسسات التعليم الفني والتقني لأعداد من المتدربين السعوديين، ولكنهم لم يمارسوا المهن التي تم إعدادهم من أجلها، بل اتجه كثير منهم لأعمال أخرى لأسباب كثيرة، من أبرزها انخفاض الأجور والمنافسة الشديدة مع القوى العاملة الرخيصة القادمة من جنوب وشرقي آسيا، إلى جانب أسباب اجتماعية تتعلق بالعادات والتقاليد. ومع عدم إنكار دور العمالة الوافدة وتقديرنا لإسهامها في إنجاز البنية التحتية والقيام بكثير من الأعمال الضرورية لاستدامة الحياة في دول الخليج العربية، إلا أن التقدم الحقيقي لأي أمة ينبغي أن يقوم على سواعد أبنائها بشكل أساس، مع ضرورة الاستفادة من خبرات الآخرين ومهاراتهم، فمن أخطر الأمور الاعتقاد بإمكانية العيش بمعزل عن الأمم والثقافات الأخرى. وعلى الرغم من إنشاء المؤسسة العامة للتعليم الفني والتدريب المهني منذ عام 1400هـ، أي قبل قرابة أربعة عقود، وحصولها على عدد من الجوائز في مجال التعاملات الإلكترونية وتوظيف المخرجات، ومع تزايد أعداد المعاهد والكليات وكذلك معاهد الشراكات الاستراتيجية التابعة للمؤسسة، فإنها لم تتمكن من تلبية احتياجات التنمية من القوى العاملة الوطنية على مدى العقود الماضية، الأمر الذي يحتم تقييم المؤسسة من قبل جهات مستقلة، ووضع خطة متكاملة للنهوض بهذا القطاع. وينبغي التأكيد على أن نجاح المؤسسة لا يقاس بعدد مخرجاتها التي لا تعتبر كبيرة بكل المقاييس، ولكن بعدد المخرجات الفاعلة التي تجد طريقها إلى سوق العمل وتسهم في التنمية والاقتصاد الوطني. فعلى سبيل المثال، بلغ عدد خريجيها لعام 2013 أكثر من 75 ألفا، ولكن السؤال المهم: كم عدد الخريجين الذين يمارسون المهن التي تخصصوا فيها؟! ويواكب النقص الكبير في الأيدي العاملة الوطنية في المهن الفنية والتقنية ارتفاع معدلات البطالة التي تصل إلى 12 في المائة لإجمالي القوى العاملة السعودية، وأكثر من 30 في المائة للقوى العاملة النسائية. وهذا يعكس اتجاه أغلب مخرجات التعليم الثانوي إلى الجامعات في تخصصات لا يحتاج إليها سوق العمل. ومن هذا المنطلق، لا بد من إعطاء التعليم التقني والفني أولوية وطنية واهتماما خاصا لضمان استدامة التنمية وتفعيل القوى الوطنية المعطلة، وذلك من خلال: 1) إعادة تقييم مؤسسات التعليم الفني والتقني ووضع استراتيجية دقيقة وطموحة لتحقيق الأهداف الوطنية من خلال تحديد الأولويات ومؤشرات الأداء المناسبة. 2) تطوير التعليم الفني والتقني من حيث المناهج والبنية التحتية وكذلك اختيار المميزين من أعضاء هيئة التدريس والمدربين، إذ يبدو أن مؤسسات التعليم الفني والتقني ليست جاذبة بالدرجة المناسبة. 3) ليس من المناسب توجيه مخرجات المرحلة الثانوية للتعليم الجامعي، مما يتطلب تشجيع الالتحاق بالتعليم الفني من خلال رفع مكافأة الطلاب في التخصصات التقنية، ومن ثم مضاعفة الأعداد في هذه التخصصات، وفي المقابل خفض مكافأة الدارسين في المهن التي لا يحتاج إليها سوق العمل من أجل خفض الاقبال على هذه التخصصات دون إغلاقها، وذلك لعدم زيادة تفاقم معدلات البطالة. 4) رفع أجور المهن التقنية والفنية خاصة المتوسطة، من خلال إعداد كادر وظيفي خاص للمهن التقنية سواء في القطاع العام أو الخاص أو تخصيص علاوة لممارسة المهن الفنية والتقنية.
إنشرها