Author

السوق العقارية .. وثنائية المستثمر والمستهلك

|
أصبحت القضية الإسكانية قضية رأي عام بامتياز بعد أن ضاعت سنوات الطفرة في الفترة من 2004 إلى 2014 دون حلول ناجعة رغم ما وفرته الدولة من موازنات وإمكانات لوزارة الإسكان في السنوات الماضية ما قبل الوزير الجديد المهندس ماجد الحقيل الذي وجد نفسه يعمل على صفيح ساخن وتحت مراقبة شعبية شديدة متوجسة تعيش حالة من الخصام الشديد مع المستثمرين في القطاع العقاري باعتبارهم سبب الأزمة الإسكانية الرئيس. وزارة الإسكان خلال سنوات الطفرة فشلت في التصدي للقضية الإسكانية الأمر الذي جعلها تبالغ في جعل أسعار الأراضي التي تزامن ارتفاعها مع ارتفاع أسعار النفط بشكل كبير ومعظم السلع والخدمات بما في ذلك الأراضي والمباني العقارية لتغطي بذلك على عدم نجاحها في توفير أو تمكين المواطنين من شراء المساكن. ولقد نجحت الوزارة نجاحا كبيرا في تحويل أنظار الرأي العام وغضبتهم وتذمرهم إلى المستثمرين في السوق العقارية باعتبارهم سبب عدم تمكن المواطن من تملك المسكن الملائم في الوقت المناسب من العمر، وساعدها في ذلك الحالة العاطفية التي يعيشها المواطن الذي يتطلع إلى أن يمتلك مسكنا ملائما يخفف عليه وطأة الإيجارات ووطأة تكاليف الحياة وتنوعها. شيطنة المستثمرين العقاريين أيا كان نوعهم "مكتنز، مضارب بالأراضي، مطور أراض، مطور وحدات سكنية، سماسرة... إلخ" تزامنت مع مطالبات لفرض رسوم على الأراضي البيضاء في النطاق العمراني لتخفيض أسعارها ليتمكن المواطن من شرائها أو شراء المسكن الذي سينخفض سعره نتيجة انخفاض سعر الأرض، ونتيجة لذلك دخلت السوق العقارية في حالة من الضبابية أوقفت عجلة التطوير الفردي بشكل شبه كامل كما توقفت عجلة التطوير المؤسسي بشكل كبير بالتزامن مع تراجع الممولين عن تمويل مشاريع التطوير الإسكاني ورفع مؤسسة النقد لنسبة مقدم التمويل الإسكاني من المصارف التجارية لـ 30 في المائة بدلا عن 10 في المائة الأمر الذي فاقم من حدة التراجع، حيث إن التمويل المصرفي كان أحد أهم روافد حركة النشاط العقاري. لأسباب متعددة فرضت الرسوم على الأراضي البيضاء الذي تواكب مع فترة انكماش اقتصادي بعد انخفاض أسعار النفط بشكل حاد رغم أنها كانت حلا مناسبا للحد من تضخم أسعار العقارات وقت الانتعاش وما زالت وزارة الإسكان تتداول تفاصيلها تحت ضغط الرأي العام وصناعه الذين يتطلعون لفرضها على الجميع دون تهاون أو استثناءات الذي سيؤدي إلى ركود أعمق للسوق العقارية التي تحرك نحو 120 نشاطا اقتصاديا في معظم القطاعات. ونتيجة لكل ذلك نعيش اليوم مع الأسف الشديد ثنائية "المستثمر/ المستهلك" في السوق العقارية باعتبارهما عنصرين على طرفي نقيض وأنهما على خصام لا وئام وأنهما في حالة من العداء الشديد، وعلى الحكومة أن تجد حلولا للقضية الإسكانية توفر المسكن الملائم الرخيص الممول من الدولة لكل المواطنين دون أن تدعم المستثمر العقاري. بطبيعة الحال الحكومة لن تستطيع منفردة توفير المساكن لكل المواطنين حيث إن بناء نحو مليون ونصف المليون وحدة سكنية خلال خمس إلى سبع سنوات يتطلب على الأقل نحو تريليون ونصف التريليون ريال، وهو أمر لا يمكن أن تتحمله موازنة الدولة التي باتت تعاني نقص الإيرادات النفطية بالتزامن مع ارتفاع فاتورة رواتب الموظفين وفاتورة التشغيل والصيانة نتيجة توسع الدولة في السنوات العشر الماضية في إنشاء مزيد من المشاريع الرأسمالية. وزارة الإسكان تدرك أهمية تحفيز المستثمرين في القطاع العقاري وتدرك دورها التنظيمي والتطويري والحمائي لجميع عناصر السوق العقارية التي تشكل السوق الإسكانية 70 في المائة منها وتدرك تماما أن حل المشكلة الإسكانية لن يكون إلا بتكامل جميع عناصر السوق العقارية والأسواق الأخرى ذات الصلة البالغة بالسوق العقارية كالسوق المالية بجميع عناصرها خصوصا سوق السندات القادرة على تمويل المستثمرين العقاريين من جهة والقادرة على إعادة تمويل شركات ومؤسسات التمويل العقاري التي تمول الأفراد من جهة ثانية، والقادرة على توفير فرص استثمارية لمدخرات المواطنين لتخرج من الاستثمار في الأراضي إلى الاستثمار في السندات. ولذلك بادرت وهي تدرس حلولا استراتيجية عبر حزمة متكاملة بالتعاون مع جميع الأجهزة والمؤسسات المعنية بالتهيئة لذلك، وأعلن وزيرها المهندس الحقيل أن الركود في السوق العقارية لن يطول وأن الانتعاش سيكون في الربع الثاني لعام 2016هـ بهدف الحد من رحيل الأموال وإشاعة الأمل لدى جميع عناصر السوق العقارية/ الإسكانية من منتجين ومستهلكين ووسطاء وقطاعات ونشاطات اقتصادية ذات صلة. هذه الرسالة، نتيجة لترسخ ثنائية المستثمر العقاري والمستهلك وحتمية العداء بينهما في السوق العقارية السعودية، استقبلت بشكل سيئ وثارت حولها التساؤلات وتناسى الغاضبون أن مهمة الوزارة تنشيط السوق العقارية لحل المشكلة الإسكانية وأنه دون ذلك التنشيط فلا حلول ناجعة ولنا في الدول الأخرى شواهد ونماذج، وأنه لا تضاد بين المستثمر والمستهلك فهما قطبا السوق الرئيسان. ختاما، السوق العقارية سوق متعددة العناصر ومتشابكة بشكل كبير مع أسواق أخرى وهي الأقدر على جذب الأموال المحلية والخارجية لإنتاج المباني وبيعها أو تشغيلها، وهي الأمثل لمعالجة الركود الاقتصادي ودون تنشيطها ستتفاقم القضية الإسكانية ويتضرر الاقتصاد الكلي بصورة أو بأخرى.
إنشرها