Author

هل نمو الطلب على البترول إيجابي؟

|
سؤال قد يستغربه كثيرون ويستهجنه الاقتصاديون. نعم، هل نمو الطلب العالمي على البترول هو دائما في خدمة مصالحنا المستقبلية في دول الخليج؟ وهو ما سيتطلب منا، نحن المنتجين، مداومة رفع الإنتاج إلى أعلى المستويات كلما زاد الطلب العالمي على المشتقات البترولية. سؤال محرج، أليس كذلك؟ كفانا تبعية لسياسات اقتصادية هي أصلا لم تصنع لنا. فليس كل ما يصلح لغيرنا يصلح لنا. فلا ظروفنا ولا ثقافتنا وطريقة معيشتنا ومستقبل حياتنا تماثل ما لدى غيرنا. لنا مصالحنا ولهم مصالحهم. النفط في طريقه إلى النضوب، ولابد من العمل لتأمين المستقبل، وما ننتج من البترول ليس له تعويض، فهل يجوز لنا أن نبحث عن مزيد من الاستنزاف من أجل مجاراة طلب السوق العالمية؟ أم أنه يجب علينا تحديد سقف إنتاج يفي بنسبة معينة من حاجة الشعوب؟ ويترك لهم مجالا أوسع للعمل والإنتاج الموازي. ولكن السؤال المحير، هو لماذا لم نفكر في هذا الموضوع الحيوي قبل زمن طويل، وقبل أن ننغمس إلى آذاننا في خضم هذا الرفاه الزائل؟ كان بإمكاننا آنذاك أن نتخيل وضعنا الحاضر ونحسب حساب قرب نهاية البترول من عمر الزمن، قبل أن تعثو فينا حمى الطفرات الاقتصادية المفاجئة. ولكنا قد أخذنا حذرنا وعملنا ما تمليه علينا عقولنا وليس عواطفنا وشهواتنا. ولمَا انسقنا وراء دخل كبير لكنه دون تعب ولا نصب ولا عرق جبين. فقد كان الأولى أن نحدد مصالحنا بعيدة المدى وليس المصالح الآنية الفانية. نحن نعلم كيف انسقنا أواخر السبعينيات وأوائل الثمانينيات وراء المنظرين لرفع الإنتاج إلى مستويات خيالية. كنا نسير خلف الشركات الأجنبية التي كان من مصلحتها سحب أكبر كمية ممكنة من المخزون البترولي وبأسرع وقت ممكن وبيعه بأي ثمن. لا نلومهم، فذلك كان جزءا من استراتيجيتهم التي تكبدوا في سبيلها كثيرا من الجهد والمال. وبعد انتهاء دورهم وانتقال مسؤولية الإنتاج إلى أصحاب الشأن، كان المنطق آنذاك يحتم علينا اتباع سياسة جديدة تأخذ في عين الاعتبار مدى استيعابنا لقبول دخل مالي ضخم ومفتوح ونحن ليس لدينا خطط اقتصادية تنموية تعوض علينا هدر ثروتنا. بل كل ما كان يهمنا في ذلك الوقت هو الصرف. حتى وصل بنا الحال إلى البحث عن مزيد من الراحة وحب الرفاه. فوجدنا ضالتنا في استقدام ملايين العمالة الأجنبية. ونسينا شيئا اسمه العمل المنتج. ما زاد من رغبتنا في إنتاج مزيد من البترول لإشباع نهمنا. ووصلنا إلى ما نحن عليه اليوم. نبحث عن مزيد من الطلب على البترول الناضب. والسؤال اليوم، هل فات الفوت، وضاعت الفرص، وانتهى أمرنا إلى وضع لا نستطيع معه التصرف من أجل المستقبل؟ من حسن الحظ أنه لا يزال أمامنا كثير من الفرص والآمال. وما علينا إلا أن نعمل بجد ونحذو حذو من سبقونا إلى التقدم نحو مستقبل واعد. يجب ألا ننتظر حتى تنفد ثروتنا وتكبر همومنا وتتسع الرقعة علينا. اليوم لدينا المال الذي نحتاج إليه للاستثمار في تنمية اقتصادنا وإعداد أولادنا ليصبحوا أجيالا منتجة تصنع المأكل والمشرب والملبس بأيديها. برأيي الشخصي أن نمو الطلب العالمي على البترول، جعلنا أمة مستهلكة وغير منتجة. بل الواجب والملِح هو أن نحاول قدر المستطاع تقليل الاعتماد على المصادر البترولية الناضبة. وأول خطوة هي عدم الاهتمام بنمو الطلب الذي يتخذ من ثروتنا وقودا له. فقد لا يكون من الممكن أن نتجه إلى الإنتاج الاقتصادي المثمر ونحن نلهث وراء الطلب العالمي على البترول. وقد يظن البعض أنني أتحدث عن شيء مغاير للطبيعة البشرية. خصوصا أن ما أنادي به هو ضرب من الخيال. نعم، هو كذلك، لكن هذا من فعلنا ونستطيع تغيير بوصلة تفكيرنا إذا امتلكنا الإرادة. وما نعول عليه - بعد الله - الخطط والمشاريع التي يتبناها مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية. هناك كثير من الدول التي لديها إنتاج صناعي وزراعي، لديها إمكانات هائلة لتصديرها بكميات كبيرة. لكنها لا تفعل لأسباب اقتصادية. وهذا يبرر لنا أن نقتصد في إنتاج وتصدير بترولنا للأسباب نفسها. بل إن وضعنا أكثر إلحاحا نظرا للغموض الذي يسود مستقبلنا كشعوب تعتمد في الكثير من شؤون حياتها على مصدر ناضب. وإننا لنهيب بأصحاب الاختصاص، من اقتصاديين ومفكرين وأصحاب نفوذ ألا يكون ديدنهم السكوت وعدم المبالاة، وولاة الأمر يرحبون بكل وجهة نظر تخدم المصلحة العامة.
إنشرها