Author

علاقة «نزاهة» بالأجهزة الرقابية الأخرى

|
لا جدال حول أهمية تعزيز النزاهة ومكافحة الفساد في مؤسسة صغيرة كانت أم كبيرة، على مستوى الاقتصاد الجزئي أو الكلي، ولهذا أقرت المملكة استراتيجية وطنية لحماية النزاهة ومكافحة الفساد عام 1428هـ ثم أنشئت هيئة وطنية لهذا الغرض عام 1432هـ، وقد انطلقت أعمال الهيئة منذ نشأتها وبدأت تمارس مهامها التي أخذت طابعا رقابيا في مجمله، لكن الدور الرقابي هذا تتم ممارسته من جهات كثيرة، منها على سبيل المثال ديوان الرقابة العامة، وهيئة الرقابة والتحقيق، وهذه الهيئات تمارس أعمالها منذ عدة عقود. فعندما أنشئت الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد كانت هذه الهيئات الرقابية وغيرها كثير مستقرة وتعمل وفق أنظمتها ومسؤولياتها المتعارف عليها، ولما جاء إنشاء الهيئة الوطنية الجديدة جاء دون أن يصحح وضع هذه الأجهزة الرقابية ودون أن يحدد العلاقات المتباينة والدقيقة بين كل هذه المؤسسات. ثم تم إدخال مشروع وحدات المراجعة الداخلية والتي بدورها أصبحت تمارس دورا رقابيا من داخل المؤسسات الحكومية جنب إلى جنب إدارة المتابعة وإدارة الجودة، ومع الدور الذي يقوم به المراقب المالي. فأصبحت الجهات الحكومية تعيش وسط دوامة من الجهات والأنظمة الرقابية التي تزدحم عند الأبواب، وبدأ النقاش يعلو: من يدخل أولا ومن له حق الخروج أخيرا. لا أحد اليوم ينكر هذا الازدحام الرقابي في مؤسساتنا الحكومية، ولا أحد ينكر أن فاتورة الرقابة بعد كل هذا التضخيم قد أصبحت أكبر مما يمكن تحمله، وأن الرقابة إذا تجاوزت تكلفتها حدود الخسائر الناتجة عن الفساد فقد فقدت الرقابة قيمتها تماما، ولعلنا اليوم قد وصلنا إلى هذه المرحلة تماما ونحتاج إلى إعادة قراءة الملف الرقابي كله من جديد وترتيب أوراقه وملفاته. لكن المعضلة الأساس أن قرار إنشاء الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد لم يتضمن إعادة تشكيل النظام الرقابي في المملكة، ولهذا تداخلت الصلاحيات بشكل لافت وصل حتى الصراع الذي تناقلته وسائل الإعلام، كما أن الأدوات الرقابية المستخدمة لتنفيذ العمليات الرقابية متقاربة إلى حد بعيد، ولهذا فإنه يصعب القول إن ما لم يتم اكتشافه عن طريق مؤسسة رقابية سيكتشف عن طريق مؤسسة أخرى، ذلك أن الإجراءات واحدة وبالتالي ستكون النتائج واحدة، ومن يكتشف ثغرة نظامية تمكنه من العبور بفساده من أمام إجراءات مؤسسة رقابية فإنها أيضا كافية لمروره من باقي المؤسسات. ولذلك فمن غير المدهش أن يتحول العمل الرقابي بين المؤسسات من تكامل إلى صراع، فالجميع يود أن يبدأ بإجراءاته أولا، ذلك إن البدء ثانيا يخفض بشكل جوهري من قيمة الفعل الرقابي وبالتالي قيمة المؤسسة الرقابية ككل. لا مفر إذا من إعادة النظر في نظام الرقابة في المملكة، لا بد من وضوح في صلاحيات كل جهة وطريقة التواصل والتكامل بين الجهات. لا بد أن تعرف كل مؤسسة رقابية دورها ومتى تبدأ عملياتها ومتى تنتهي، وكيف تستفيد كل جهة من تقارير الجهة الأخرى، حيث لا نكرر الإجراء نفسه مرتين وهو ما يكلفنا الضعف ولا يحقق لنا إضافة في الناتج الرقابي. لا بد من تطوير نماذج إدارة المخاطر على العمل الحكومي، وأن تجد كل جهة دورها في منظومة إدارة المخاطر هذه أو أن تمارس أعمالها من خلالها.
إنشرها