Author

«أرامكو» وتنويع الدخل عبر برنامج «اكتفاء»

|
وسائل الإعلام، محلا وخارجا، لها مزاجها وطريقة تعاملها مع الأحداث حسب ما يروق لها. فأحيانا نجدها تهتم بأمور ليست لها أهمية كبيرة في عيون المجتمع. وتغفل عن أحداث لها قيمتها وتأثيرها على مستقبل وحياة الأمة. الموضوع الذي أشير إليه في هذا الحديث، يتعلق ببرنامج جديد تشارك به شركة أرامكو مباشرة في تطوير البنية التحتية لتنويع مصادر الدخل في المملكة. وهي خطوة تحمد لها، لكونها الركيزة الأساسية لمجمل الدخل من عمليات البترول. ولكن الإعلام المحلي لم يعر هذا الموضوع، على أهميته القصوى، ما يستحق من الاهتمام. فقبل أشهر، أعلنت شركة أرامكو السعودية عن برنامج خاص أطلقوا عليه عنوان "اكتفاء". و"أرامكو" عندما تعلن برنامجا حيويا يهم الأمة أو مشروعا كبيرا ذات صلة بالاقتصاد الوطني، فتأكدوا أنه كان تحت الدراسة والإعداد لسنوات طويلة قبل أن يظهر إلى العلن، وذلك من أجل ضمان نجاح الفكرة. والهدف الرئيس من هذه المبادرة القيمة هو المساعدة على إنجاح مهمة جهود تنويع الدخل في بلادنا التي ما برحت تراوح مكانها منذ أكثر من 40 عاما، رغم أهميتها بالنسبة لمستقبل شعب تعتمد حياته ومعيشته حالا على دخل مصدر واحد قابل للنضوب. ومبادرة "أرامكو" ذات أبعاد اقتصادية طويلة المدى، وتهدف إلى المساعدة على إيجاد وظائف للمواطن السعودي ذات قيمة مضافة، من أجل تقوية الاقتصاد الوطني وربط نموه بتوظيف وتدريب وتأهيل المواطن وليس فقط على مجهود العمالة الوافدة، كما هي الحال الآن، التي في آخر المطاف، ترحل مدخراتها إلى بلادها. تنعم هذه البلاد، ولله الحمد والشكر، بخير عميم بفضل الله ثم دخل البترول الكبير الذي ينهال علينا بدون تعب ولا نصب. وهو شيء جميل، لولا أنه من مصدر قابل للنضوب خلال زمن محدود. ولعله من طبيعة البشر عندما يتوافر لديهم رفاه العيش دون تكلف أن يركنوا إلى الراحة ولا يشغل بالهم المستقبل وما يخبئ لهم من المفاجآت. وهو ما يحتم علينا اليوم العمل على إيجاد مصادر للدخل لا ترتبط بالموارد البترولية المؤقتة والنافقة. وقد تنبهنا لذلك منذ ما يقارب 50 عاما وأعددنا العدة لدراسة ما بعد البترول. وأنشأنا ما يسمى بالخطط الخمسية قبل 45 عاما، أملا في أن نخفف اعتماد اقتصادنا على مصدر واحد. ولكننا أهدرنا الكثير من الجهد والفرص خلال تلك السنين الطويلة ولم ننجح في تنويع دخلنا حتى الآن. ومما زاد من صعوبة الأمر، ضخامة دخلنا الحالي من البترول الذي أضفى غطاء سميكا على حماسنا وأفقدنا الرغبة الحقيقية لنكون أمة منتِجة بدلا من أن نكون مجرد شعوب مستهلكة، وهي حالنا اليوم. وقد أسرفنا أيضا في استقدام الملايين من العمالة التي معظمها لسنا في حاجة إليهم. وأبناء "أرامكو" هم أبناؤنا، قمة في المواطنة والإخلاص، ويهمهم قبل كل شيء مستقبل أمتهم وبلادهم. ومن مواقعهم في الشركة، هم ما فتئوا يخدمون في هذا المرفق الحيوي ويجتهدون في القيام بما هو مطلوب منهم حتى أصبحوا قدوة يضرب بهم المثل في حسن الأداء والإنجاز. ومن هنا نبعت فكرة خطة إنشاء برنامج "اكتفاء". وذلك من أجل مساندة الرقي باقتصادنا الوطني إلى مستوى يعكس رغبة المسؤولين في الدولة في إيجاد اقتصاد ينمو ذاتيا ولا يعتمد كلا على دخل البترول. ولم تكن شركة أرامكو غائبة قط عن الساحة المحلية، سواء الشق الاقتصادي أو الاجتماعي والثقافي. فقد أبدعت في الصناعة البترولية وتفوقت عالميا، بفضل الله ثم جهود القائمين عليها من المخلصين أبناء هذا الوطن. وما تقديم هذا البرنامج الجديد إلا مواصلة وإضافة إلى الجهود السابقة. عدا أن "اكتفاء" جاء لتعزيز القيمة المضافة للاقتصاد المحلي في وقت نحن أحوج ما نكون فيه لدعم خططنا الوطنية لتنويع الدخل. وهي الخطط التي لم تحظ بما تستحقه من النجاح خلال العقود الماضية. وبرنامج "أرامكو" يهدف إلى توجيه القطاع الخاص في المملكة إلى رفع مستوى الإنتاجية والتأكيد على ضرورة إشراك المواطن في التنمية بصورة حقيقية. وهذا المجهود في حد ذاته سينال ما يستحقه من الاهتمام، حيث إنه الركيزة الأولى نحو توطين النشاط الصناعي والخدمي في البلاد. وشركة أرامكو لها باع طويل في هذا المجال، ولا نشك في أنها ستبذل كثيرا من الجهد في سبيل إنجاح المشروع ليكون نواة لطموحات مستقبلية واعدة. وبإيجاز شديد، فالموضوع يتعلق بحصر واردات شركة أرامكو المحلية من المواد الصناعية والاستهلاكية، لتكون صناعة وطنية ذات كفاءة عالية وبأيد وطنية ما أمكن ذلك. ويقدر المسؤولون في الشركة أن تبلغ المصروفات المخطط لها من السوق المحلية خلال السنوات المقبلة ما يربو على تريليون ريال سعودي.
إنشرها