Author

انخفاض الثقة بتوقعات أسعار النفط «2»

|
تمت الإشارة في المقالة السابقة إلى تدني الثقة بتوقعات أسعار النفط، وذلك لكثرة العوامل المؤثرة في هذه الأسعار. وتتلخص العوامل المؤثرة في أسعار النفط في الطلب والعرض العالمي لهذه المادة الاستراتيجية. وتم التطرق الأسبوع الماضي إلى الصعوبات المحيطة بتوقع مستويات الطلب العالمي على النفط. وقد أسهمت الإشكالات في تحديد مستويات الطلب العالمي - خصوصا طويل الأجل - إلى تراجع الثقة بصحة توقعات الأسعار. وإضافة إلى الطلب، يسهم العرض العالمي بقوة في تحديد سعر هذه المادة الحيوية. ويزيد عدد الدول المنتجة للنفط على 100 دولة، حيث يصل إنتاج 50 منها إلى 100 ألف برميل يوميا، بينما يتجاوز إنتاج 20 دولة من دول العالم مليون برميل يوميا. ويتأثر الإنتاج العالمي للنفط بالتطورات الحاصلة في كل دولة من دول العالم المنتجة للنفط خصوصا الرئيسية منها. وترتفع نسبة الخطأ في تقدير إنتاج دول العالم المستقبلي بسبب تغير بيئة الإنتاج في كل دولة، حيث تقود التطورات السياسية والقانونية والتقنية إلى التأثير بقوة في الإنتاج في بلدان العالم النفطية. وقد أدت التطورات السياسية والأمنية في الماضي إلى خفض الإمدادات النفطية ورفع الأسعار بقوة عدة مرات خصوصا في عامي 1973، 1980. وكانت الأحداث الأمنية في الدول المنتجة سابقا تقود إلى رفع قوي للأسعار، ولكن تأثيراتها انخفضت أخيرا بسبب وفرة المعروض العالمي من النفط. إضافة إلى التطورات الأمنية والاقتصادية، تؤثر الأنظمة والقوانين المحلية والعالمية المتصلة بإنتاج النفط في مستويات الإنتاج. وتحد القيود البيئية من إمكانية تطوير البنية الأساسية لإنتاج النفط، حيث تمنع دول كثيرة تطوير الحقول النفطية في بعض المناطق الجغرافية، أو تقيد استخدام تقنيات معينة للإنتاج. ولا تسمح بعض الدول الغربية مثل فرنسا باستخدام تقنيات إنتاج النفط الصخري، بسبب أضرارها البيئية. كما تؤثر الأنظمة الضريبية وحقوق الامتياز في الإنتاج النفطي في دول العالم، وتعتمد شركات النفط التقليدي بدرجة كبيرة على إيراداتها الذاتية في الاستثمارات المستقبلية، فإذا تراجعت أرباح هذه الشركات في دولة ما أو خلال فترة زمنية معينة فإن مستويات الإنتاج المستقبلية تتراجع لتدني الاستثمارات. من ناحية أخرى، حفزت السياسة النقدية تطوير بعض أنواع النفوط، فقد قادت سياسة التيسير الكمي إلى توفير سيولة هائلة منخفضة التكاليف في الأسواق، ما شجع صغار الشركات على الاستثمار في النفوط غير التقليدية، ورفع إنتاج الولايات المتحدة وكندا النفطي. ويتوقع بعض المراقبين أن يقود رفع أسعار الفائدة إلى التأثير سلبا في إنتاج النفوط غير التقليدية. تلعب تطورات تقنيات الإنتاج دورا حاسما في تحديد الإنتاج المستقبلي، فأي تطور مخفض للتكاليف المرتفعة في بعض مناطق الإنتاج أو في إنتاج أنواع نفط معينة سيدعم مستويات الإنتاج المستقبلية. وقد أدى تطوير تقنيات النفط الصخري في الولايات المتحدة والرملي في كندا إلى زيادة العرض العالمي النفطي وخفض أسعار النفط الحالية. ونظرا لصعوبة توقع الطفرات التقنية في إنتاج النفط ترتفع مستويات الخطأ في تقدير العرض العالمي المستقبلي من النفط. يسهم أسلوب صنع القرار في إنتاج النفط في تحديد مستويات الإنتاج، فالشركات الخاصة تحدد مستويات إنتاجها لتعظيم أرباحها، بينما تتأثر مستويات إنتاج الشركات الحكومية المنتجة للنفط بالقرارات السياسية للدول المنتجة والمستهلكة. وترتفع أخطاء توقعات السياسات الحكومية لتأثرها بالتطورات والعلاقات بين الدول. وقد كانت الأسواق تنظر لمنظمة أوبك كحامٍ للأسعار المرتفعة، ولكن تخليها أخيرا عن هذا الدور أدى إلى إسقاط هذه الفرضية وتراجع حاد في الأسعار. وتلعب الدول المستوردة للنفط دورا في التأثير على عرض النفط، من خلال بناء عديد منها لمخزونات نفطية كبيرة يمكن استخدامها لزيادة عرض النفط أو جلب الاستقرار للأسواق. وتشهد أسواق النفط زيادة في مستويات اضطراب الأسعار، ما سيؤثر بشكل سلبي في حجم الاستثمار ويخفض إمدادات النفط المستقبلية ويصعب من توقعات أسعار النفط. وقد زاد توريق عقود النفط كما ارتفعت التبادلات المالية في هذه العقود ما عظم تأثير الأسواق المالية في أسعار النفط، وقاد بالتالي إلى رفع حجم الخطأ في توقعات الأسعار. لقد قاد انخفاض الثقة بتوقعات الطلب والعرض العالمي إلى رفع حجم الخطأ في توقعات الأسعار، خصوصا في الأمد الطويل. وتزداد نسبة الخطأ في توقعات الأسعار بسبب انخفاض مرونة الطلب العالمي على النفط خصوصا في الأمد القصير. وانخفاض المرونة يعني أن تغيرا محدودا في حجم الطلب العالمي يقود إلى تغيرات كبيرة في الأسعار. ولهذا فإن حدوث خطأ في توقع حجم الطلب أو العرض العالمي بـ 100 ألف برميل يوميا في العام، سيقود خلال عشر سنوات إلى تأثير قوي في الأسعار. وتسهم عوامل أخرى متعددة في رفع أخطاء توقعات أسعار النفط، ومن أبرزها عدم ثبات العلاقة بين تغير أسعار النفط والعوامل المؤثرة في العرض والطلب، وكذلك النقص الواضح في بيانات إنتاج واستهلاك ومخزونات بعض الدول، وأخطاء البيانات الاقتصادية بوجه عام، والتقنيات المستخدمة في التوقعات.
إنشرها