Author

ورطة الكلام

|
أفسحت وسائل التواصل الاجتماعي وثورة الاتصال المجال للتعبير عن مكنونات النفس بشكل يجعل من الصعب إيجاد فصل دقيق بين ما يمكن قوله في مكان عام وما لا يسوغ التلفظ به أو كتابته الحقيقة إن هذه الإشكالية هي ورطة اجتماعية يتشارك فيها أطياف عدة: علماء أكاديميون آباء أمهات شباب فتيات.الكل يشارك في ورطة الكلام العابر واقتراف خطايا التجاوز الذي قد يأخذ شكلا طائفيا أو عنصريا أو أخلاقيا. البعض قد يجد نفسه متورطا في تسويق شائعة تتدحرج مثل كرة ثلج فتؤذي. والبعض تتلبسه هواجس أنه أصبح يسابق قناة الـ CNN أو الـ BBC، وقد يتقمص دور وزير الخارجية ويبدأ يتحدث عن مواقف تمليها عليه رغباته وأمانيه ولا علاقة لها بأي رأي رسمي. وهناك من يتلبسه دور المفتي دون أي معرفة أو علم شرعي ودون أن يكون لديه رخصة بالإفتاء ومع ذلك تتحول مشاركاته في المنابر ومنصات التواصل الاجتماعي إلى توزيع فتاوى الحلال والحرام دون وازع ويبدأ في التالي والمزايدة والبهتان من خلال اتهام الناس ـــ باستثناء نفسه ومن هم على خطاه ــــ بالفساد والنفاق والعمالة وإذا تأملت في واقع هذا الفرد تجد قوله لا يتسق مع فعله. إن الكلام العام ورطة يفضحها السلوك لا قيمة أبدا لأي فكرة تعمد للترويج لها والدفاع عنها ما دمت تتقلب في تناقضات القول والفعل وخديعة الضحك على الناس. في فترة من الفترات كان من الصعب الوقوف في وجه من يروج الأخطاء والمغالطات الفكرية والتصدي له لأن هناك مجاميع كثيرة من المخدوعين يتدافعون للدفاع عنه. اليوم بدأت تزول الغشاوة عن العقول المؤجرة وهذه مسألة إيجابية ما لم تؤد إلى ورطة كلام أخرى تسعى إلى إعادة قولبة العقول من جديد. إن الحرية تصبح مأزقا إذا كان البعض يتعامل معها باعتبارها جواز عبور لتناول المباح وغير المباح في العرف والقانون والدين هنا تغدو الحرية فوضى. التعبير عن الحقد والكراهية والبغضاء والعنصرية أيضا ليس حرية وإن توهم البعض غير ذلك هناك أنظمة تضبط الحرية غير المسؤولة وتعاقب على التجاوزات وسقطات اللسان والقلم.
إنشرها