Author

ركائز التنمية .. والنجاحات المستدامة

|
قال وهو يشعر بالإحباط إن الناس تفرح وتتفاعل مع نجاح مخرج لبناء مؤسسي ولا تفرح ولا تتفاعل مع النجاح في البناء المؤسسي الذي يعتبر الركيزة الأساسية لنجاح المخرجات، يقول لقد رأيت الناس تفرح لنجاح طالب سعودي في بحث ما أو تحقيق مركز متقدم في مسابقة ما وتتفاعل مع ذلك إلا أنها لم تفرح وتتفاعل مع بناء 13 جامعة جديدة في جميع أنحاء المملكة وتطوير الجامعات العريقة وزيادة قدراتها الاستيعابية والتعليمية والبحثية. يقول أيضا إن الناس تفرح وتتفاعل لحصول لاعب في أي لعبة على ميدالية ذهبية في منافسة دولية حتى إن كان هذا اللاعب تم استقطابه وتأهيله في بيئة خارجية لغياب مؤسسات استقطابه وتأهيله للمنافسات الدولية محليا إلا أنها لا تفرح ولا تتفاعل بتاتا مع النجاح في بناء مؤسسات قادرة على توسيع قاعدة المشاركين وتوليد الموهوبين محليا وتمكينهم من الوصول لمنصات التتويج الدولية. ويضيف بكل تأكيد التقدير والثناء والتفاعل الإيجابي يشكل السحر الأبيض المفرح للناجحين من ورائهم والمحفز لهم لمزيد من العطاء والنجاحات في حين أن التطنيش والتهميش وعدم الالتفات لهذه النجاحات التي عادة ما تشكل تحولات بنيوية في القدرات المؤسسية للدولة في أي مجال من مجالات التنمية الشاملة والمستدامة تؤدي إلى الإحباط وعدم التحفز لمزيد من العطاء والإنجازات المتميزة. ويبدو لي أن العامة من الناس لا تلتفت للنجاح في بناء القدرات التنموية المتمثلة في المؤسسات الحكومية والخاصة والمدنية المستندة إلى منطلقات فكرية سليمة لبناء خططها وهياكلها ومواردها وثقافتها ما يجعلها قادرة على تحقيق النجاحات المستدامة بقدر ما يلتفتون ويتفاعلون مع نجاح مخرجات هذه المؤسسات وإن كانت متقطعة بمعنى أن العامة لا يلتفتون للنجاح في بناء القدرات المؤسسية مثل بناء مؤسسة هيئة الغذاء والدواء أو هيئة السوق المالية أو جامعة أو اتحاد أو ناد رياضي أو لجنة أولمبية بقدر ما يلتفتون لنجاح في ضبط مخالفة غذائية لمصنع ما أو تفوق في مسابقة علمية أو نجاح في تحقيق ميدالية ذهبية في بطولة دولية، وبالتالي فإن عدم التفاتهم وتفاعلهم غير مقلق لدرجة كبيرة. ويبدو لي أيضا أن النخب المعنية بالتنمية بمن في ذلك الإعلاميون وصناع الرأي والنخب المهتمة ببناء القدرات التنموية هي من تلتفت للنجاحات في مجال بناء المؤسسات القادرة على تحقيق النجاحات المستدامة في مجالاتها وتتفاعل معها وتظهر إعجابها وتقديرها وثناءها لمن حقق هذه النجاحات، ويمكن أن يكون الالتفات والتفاعل بعدة وسائل وآليات ومن ذلك النشر والبث الإعلامي والمقالات والمقابلات الصحافية وخطابات الشكر والتقدير وجوائز التكريم في احتفالات تشارك فيها قيادات الدولة وكبار مسؤوليها ونخبها الاجتماعية والثقافية والاقتصادية، وفي حال ضعف ذلك يكون الأمر مقلقا بشكل كبير. نعم كدولة نامية ما زلنا نعاني كحال معظم الدول النامية بذل الكثير من الجهد والمال والوقت لتحقيق نجاحات في مجال معالجة المشاكل الناشئة عن ضعف القدرات المؤسسية ونتفاخر بتلك النجاحات ونجد كل الثناء والتقدير لتحقيق هذه النجاحات كحال نجاح وزارة التجارة في معالجة مشكلة المساهمات المتعثرة التي نشأت عن عدم وجود هيئة منظمة للطرح العام آنذاك، ولكن يجب علينا أن نتخلى عن أعذار الدول النامية ونتجه لبناء محركات التنمية المستدامة المتمثلة في المؤسسات المتمكنة القادرة على تحقيق النجاحات المستدامة والحد من الوقوع في المشاكل من الأساس كما هو حال الدول المتقدمة. التفكير الإنمائي أو التنموي الحديث يقوم على فكرة إيجاد تحولات بنيوية اقتصادية واجتماعية كجزء مهم وفاعل في التنمية، ويؤكد هذا الفكر أن النجاح المستدام والمتزايد بمرور الوقت هو النجاح في بناء القدرات من خلال بناء مؤسسات تشكل ركائز أساسية في التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية المستدامة، مؤسسات تتنامى وتتراكم قوتها بمرور الزمن في منظومة تنموية متكاملة. ما وضع تشجيع وتقدير الناجحين في بناء المؤسسات القادرة على تحقيق النجاحات المستدامة والمتنامية؟ يبدو لي أن الوضع غير مشجع، حيث تعجز منظومة النخب المعنية بالتشجيع والثناء والتفاعل مع هذه النجاحات سواء كانت فريدة أو مؤسسية عن رصد النجاحات من جهة وعن إيجاد صيغ متعددة للثناء والتقدير والتشجيع من ناحية أخرى وأعتقد أن ذلك يعود إلى وجود خلل ما في اتجاهات التشجيع للنجاحات المؤسسية القادرة على إحداث الفرق لجهة النجاحات المستدامة، حيث لا يبادر كثير من الجهات المعنية بالتشجيع في رصد النجاحات والتواصل مع قادة النجاحات المؤسسية كما لا يبادر الأفراد في رصد النجاحات وتشجيعها من خلال الآليات المتاحة خصوصا في الإعلامين التقليدي والرقمي. نعم هناك الكثير من الجوائز التشجيعية التي يقدمها بعض الأجهزة الحكومية وبعض المؤسسات المدنية وبعض المؤسسات الإعلامية إلا أنها ما زالت ليست على المستوى الذي يحدث الفرق والكثير منها مع الأسف شكلي وتلعب المحسوبيات وفكرة العلاقات العامة دورا كبيرا في الحصول عليها ما جعلها أدوات تشجيعية لا ترتقي لما ينشده المبدعون في مجال بناء المؤسسات الناجحة التي تشكل ركائز تنموية تولد نجاحات متنامية ومستدامة. إيجاد حلول تنموية طويلة الأجل تستند إلى ركائز تنموية مستدامة ومتنامية بمرور الوقت حلم شعوب الدول كافة، والوصول إلى هذه الركائز الناجحة يتطلب بيئة تحفيزية مشجعة، وهذه البيئة تتطلب اتجاهات سليمة لجهة التشجيع، اتجاهات تركز على تشجيع صادق وموثوق من جهات مشهود لها بذلك للناجحين في بناء الركائز أكثر من تشجيع مخرجات هذه الركائز، وهذا يتطلب وعيا نخبويا بأهمية ذلك وضرورة توفيره. ختاما أتطلع إلى أن تلعب وزارة الشؤون الاجتماعية المشرفة على المؤسسات المدنية وغير الربحية ومن مجلس الغرف المشرف على المؤسسات الربحية، والوسائل الإعلامية المرموقة دورا في إيجاد بدائل تشجيعية صادقة وموثوقة لتحفيز النجاح في بناء الركائز المؤسسية التنموية وديمومة هذه النجاحات.
إنشرها