Author

الأمية تمحو الإنجازات

|
كاتب اقتصادي [email protected]
إذا كنت أميا وتعيش على دولار واحد في اليوم، فلن تصل إليك فوائد العولمة على الإطلاق. جيمي كارتر - الرئيس الأمريكي الأسبق أرقام الأمية حول العالم وفي البلدان العربية ليست جديدة. لم تتحسن بما يكفي للحديث عن محو قريب للأمية، وباتت مع استفحال الأزمات والحروب المحلية في غير بلد في أكثر من منطقة في العالم (ولا سيما المنطقة العربية)، ترتفع بوتير متسارعة. فالبلد الذي نجح في تقليص نسبة ملحوظة في عدد الأميين لديه، أصبح الآن مهيأ لمزيد من هؤلاء، بفعل الاضطرابات والحروب الأهلية المختلفة. هذا بالطبع إلى جانب العوامل الاقتصادية الفاعلة في هذا المجال، التي تبقى سببا مباشرا لانتشار رقعة الأميين في كل الأوقات. دون أن ننسى أن العولمة التي "هجمت" على العالم قبل عقدين من الزمن تقريبا، لم تحقق أي خطوة ملحوظة على صعيد تقليل عدد الأميين، ولا سيما بين شرائح البالغين؛ أي فوق سن الخامسة عشرة. يقول الكاتب والمؤلف البريطاني جيفري آرشر، إن 60 في المائة من الأشخاص الذين يدخلون السجون من الأميين، وهذه نسبة مخيفة في بلد كبريطانيا، فكيف الحال في بلدان أقل تقدما من المملكة المتحدة؟ وبالفعل أسهمت الأمية المصحوبة بالجهل في رفع معدلات الجريمة في غالبية البلدان المتقدمة. وعلينا أن نتخيل آثارها في بلدان تعاني التخلف أصلا، أو لنقل بلدان أقل رشدا من تلك المتقدمة. والمسألة لا تتعلق بالجريمة التقليدية المعروفة، بل بـ "الجرائم" التي يرتكبها في محيطه الضيق، ولا سيما أسرته. وعلى رأسها، قناعته بعدم الحاجة لتعليم الأولاد، فهو بذلك يسهم في رفع عدد الأميين، وضمهم إلى شريحته، من أي شريحة؟ من شرائح الأطفال والمراهقين! والقاعدة المعروفة تبقى كما هي، وترتكز على أنه كلما كانت البلدان أقل رشدا، كانت أكثر أمية. قبل تناول الأرقام المخيفة للأمية على صعيد العالم العربي، لا بد من الإشارة إلى أن المؤسسات المختصة اتفقت على وجود ما يقرب من 775 مليون أمي على وجه الأرض. في حين تعتقد بعض الجهات المستقلة الأخرى أن عدد هؤلاء أكبر من هذا، لسبب واحد فقط يكمن في أن هناك بلدانا لا تسجل في الواقع كل الأميين فيها ضمن القوائم الرسمية، فضلا عن أن هناك نسبة من هؤلاء لا تفكر أساسا في التسجيل ضمن القوائم المشار إليها. يذهب البعض إلى أن العدد الإجمالي للذين لا يعرفون القراءة ولا الكتابة قد يصل إلى المليار نسمة، وهو رقم متقارب جدا مع أعداد الذين يعانون الفقر المدقع حول العالم. وسواء كان عدد الأميين 775 مليونا أو مليار نسمة من البالغين، فالعدد كبير في كلتا الحالتين، بل مخيف أيضا. وإلى جانب أي من الرقمين هناك أكثر من 68 مليون طفل خارج المدارس، ومن هؤلاء من دخل وخرج من المدرسة في العام نفسه. وإذا كانت أمية البالغين خطيرة فإن أمية الأطفال أخطر؛ لأسباب يعرفها الجميع. فالمستقبل لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يكون أميا!! والتعاطي مع الحقائق والأحداث والاستحقاقات أمر لا علاقة له إلا بالتعلم ليس فقط الأدوات الأساسية، بل الوسائل التي تحاكي التطور بكل أشكاله وفي كل المجالات. وفق كل الأحوال، يحصل العالم العربي على "كأس العالم" على صعيد العدد الكبير للأميين فيه. ووفق منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة "اليونسكو" في العالم العربي هناك شخص واحد من كل خمسة بالغين يعاني الأمية. والهامش يتراوح بين موريتانيا التي بلغت فيها نسبة هؤلاء 44 في المائة إلى قطر بحدود 2 في المائة فقط. النسبة مذهلة بالفعل في بلدان كمصر بـ 25 في المائة، واليمن 30 في المائة والمغرب 28 في المائة. في حين تصل نسبة الأميين البالغين في العراق إلى 20 في المائة وسورية إلى 14 في المائة. وكلها معدلات مرتفعة ومخيفة، ولا سيما في البلدان التي تعاني حاليا حروبا أهلية طويلة ومعقدة. ومهما يكن من أمر، فهل يعقل أن ربع السكان البالغين في مصر لا يستطيعون القراءة والكتابة؟! الاستغراب هنا لا يكمن في وجود الأمية، بل في عدم محاربتها بما يكفي لخفض معدلاتها. بالطبع هناك بلدان خارج المنطقة العربية أكثر سوءا، مثل أفغانستان ومالي والسنغال، التي تشير إحصاءات "اليونسكو" إلى أن 50 في المائة هو معدل الإلمام بالقراءة والكتابة فيها. غير أن هذا لا يبرر التدهور الخطير لأوضاع التعليم ومحو الأمية في البلدان العربية التي تستند إلى تاريخ تعليمي قديم، وأدوات تعليمية لا بأس بها، حتى في ظل الأزمات الاقتصادية التي تمر بها. لا شك في أن مسألة محو الأمية تقدمت في بلدان وتراجعت (بل غابت) في بعض البلدان. غير أن الإنجازات في هذا المجال لم تكن قوية بما يكفي لتمحو آثار الإخفاقات فيه. دون أن ننسى أن الأمية لا تزال تكلف الاقتصاد العالمي سنويا 1.19 تريليون دولار.
إنشرها