Author

تقليل عدد الفقراء .. لا الأثرياء

|
كاتب اقتصادي [email protected]
"قالوا لي، إن البنوك لا تستطيع أن تقرض الفقراء، لأنهم لا يساوون شيئا" محمد يونس ــ ـ اقتصادي ومصرفي بنجلادشي تبقى أرقام الفقر مخيفة على الساحة العالمية. وتبقى أيضا معدلات البطالة مرعبة عالميا، وكذلك الاحتمالات المرتبطة بتسريح الموظفين والعمال، لأسباب مختلفة. بالنسبة للنقطة الأخيرة، صارت التكنولوجيا الخطر الداهم الأكبر،الذي يوازي مخاطر الركود وخسائر الشركات وغير ذلك. وأرقام الفقر كبيرة رغم أنها تراجعت في السنوات القليلة الماضية، وتفاصيلها مزعجة، وأدوات محاربتها، تنجح أحيانا، وتخفق في كثير من الأحيان، دون أن ننسى، أن المؤسسات الدولية المختصة، استطاعت بالفعل أن تحقق خطوات إيجابية، وتعمل من أجل زيادة وتيرتها، إلا أنها تصطدم بمعوقات. وهذا أمر طبيعي في عالم لم يستقر اقتصاديا بعد، في أعقاب الأزمة العالمية. بمعنى آخر، أنه عالم اقتصادي يتشكل، ويشمل حتى البلدان الأكثر رسوخا اقتصاديا وتاريخيا على الساحة. يقول الشاعر والمغني الأمريكي جيلو بيارفرا "يمكنك إنفاق الأموال على المساكن الجديدة للفقراء والمشردين. أو يمكنك إنفاق الأموال نفسها على ملاعب كرة القدم وحقول الجولف". المشكلة الرئيسة هنا، أن عوائد الاستثمارات في مشاريع الإسكان ليست أقل من تلك الخاصة بالملاعب الرياضية المختلفة. وهذا ما يجعل كثيرا من الجهات المهتمة، تسعى إلى توضيح هذه الصورة. لا أحد يطالب أي مستثمر أن يبني المساكن المجانية، هذه مشاريع تقوم بها الحكومات عادة في نطاق محدود جدا، لكن يمكن للمستثمر أن يراجع الإنجازات المالية المهمة في هذا المجال في بلدان كثيرة، بما في ذلك بالطبع البلدان الفقيرة. غير أن أزمة الفقر لا تكمن في المسكن فقط بل تشمل كل شيء من الملبس إلى المأكل إلى الدواء مرورا بالتعليم. قبل أيام أعلنت مؤسسة "أوكسفام" البريطانية الخيرية الشهيرة، أن 62 شخصا فقط يملكون ما يملكه نصف الفقراء! وتوقعت هذه المؤسسة، أن يمتلك 1 في المائة فقط من الناس أكثر مما سيملكه كل الناس. اللافت، أن عدد هؤلاء كان بحدود 388 شخصا قبل خمس سنوات، بات اليوم بحدود 62 شخصا! وهذا مؤشر يعتبره المختصون خطيرا، وينبغي العمل على مواجهته. لكن المواجهة التي يتحدثون عنها ليست سهلة، ليس لأن الأطراف المعنية غير واضحة، بل لعدم وجود إرادة لدى الجانب الآخر على خوض مثل هذه المواجهة. في أحسن الأحوال، التسليم بهذا التطور الخطير على صعيد تراجع أعداد المالكين الكبار للثروة، وارتفاع عدد أولئك الذين لا يملكون إلا القليل أو لا يملكون شيئا. لا يمكن في المجتمعات المتقدمة أو الراشدة أن يوجه اللوم إلى الفقراء لأنهم فقراء. فهم لم يقرروا ذلك. هناك أسباب عديدة دفعت هؤلاء إلى داخل هذه الشريحة، ونشأوا واستمروا عليها. في الواقع إن المتغيرات في أرقام الفقراء والأغنياء تعكس حقيقة ما يمكن وصفه "بتغير المواقع"، باتجاه نزولي. فغير الفقير بالأمس قد يصبح فقيرا اليوم، ولا يمكن أن يحدث العكس، على الأقل وفق الأرقام التي تتداولها المؤسسات والمنظمات الدولية، ومن بينها بالطبع "أوكسفام". والمشكلة تكبر عندما تشمل الجوع، على الرغم من تراجع أعداد الجوعى وفق البرامج الخاصة بالأمم المتحدة خلال السنوات العشر الماضية. ويقول أحد مديري "أوكسفام" مانون أوبري "لا يمكننا أن نستمر في ترك ملايين الأشخاص يعانون الجوع، في حين تتكدس الموارد التي يمكن أن تساعدهم بين يدي بعض الأشخاص في أعلى السلم". تستهدف المنظمات الإنسانية الملاذات الضريبية التي لا تزال منتشرة حول العالم، على الرغم من الحرب التي أعلنت عليها في أعقاب اندلاع الأزمة الاقتصادية العالمية عام 2008. وقد نجحت الحكومات في هذا الشأن، لكن لم تحقق الانتصار المطلوب. فهذا النوع من الملاذات يتوالد بخفة وبسرعة وبتجدد، ويتطلب الأمر سنوات طويلة لكي يمكن إعلان الانتصار المنشود. لكن هذا أيضا ليس السبب الوحيد للفجوة الهائلة (بل الخرافية) بين الفقراء والأثرياء. هناك النمو الاقتصادي العالمي المتراجع. لقد بات هذا النمو مثل البورصة! لا يمر أسبوع إلا وتظهر جهة دولية تخفض توقعاتها حوله. دون أن ننسى حجم البطالة على المستوى العالمي، ببلوغ عدد المتعطلين عن العمل أكثر من 197 مليون نسمة. ووفق التوقعات، هناك ثلاثة ملايين تقريبا سيضافون هذا العام، وأكثر من 1.1 مليون آخرين سيضافون في العام المقبل. والبطالة المقترنة مباشرة بالفقر وتردي الأوضاع المعيشية، ليست ناتجة هي الأخرى عن النمو الاقتصادي المنخفض. هناك عوامل كثيرة منها طرد التكنولوجيا وأدواتها لشريحة متعاظمة من العاملين. وهؤلاء يحسبون بالملايين لا بالآلاف. لم تبالغ "أوكسفام" في تحذيراتها حول أوضاع الفقر على الساحة العالمية، فهذه المؤسسة تعمل عن قرب وعلى الأرض وقريبا من المصادر المسببة للفقر. وإذا نجحت الحكومات حقا في تقليل الآثار المدمرة للملاذات الضريبية الآمنة، فإنها تقوم بصورة مباشرة بانتشال نسبة من الفقراء، ووضعهم في مستوى أعلى من ذلك. غير أن الجوانب الأخرى كالتركيز على النمو والتأهيل وإعادة التأهيل والتعليم وفق متطلبات السوق، وغير ذلك، كلها عوامل مساعدة داعمة بقوة لتقليل عدد الفقراء، لا تقليل عدد الأثرياء.
إنشرها