Author

تعريف العصر الذهبي للبترول

|
البترول بأشكاله وأنواعه وألوانه، مصدر للطاقة ولقيم لمعظم الصناعات البتروكيماوية التي تمدنا بمنتجات للسلع الصناعية والاستهلاكية لا حصر لها. ولكنه أيضا مصدر قابل للنضوب، لأن كمياته محدودة وغير متجددة. أي ليس له روافد تعوض ما يستهلَك منه. فلإنتاجه بداية وله نهاية، وما بينهما مراحل قوة وضعف. والسؤال الذي نحن بصدده، هو محاولة تعريف العصر الذهبي لهذه المادة الإستراتيجية المهمة في حياة البشر. وهناك حتما آراء مختلفة حول تحديد هذه الهوية، حسب المصالح الخاصة والخلفيات الشخصية عند كل فرد منا. فماذا يعني لنا العصر الذهبي للبترول؟ هل هو توافره بكميات خيالية وقمة إنتاجه أم هو ارتفاع مستوى السعر والقيمة التي يباع بها؟ فإن كان عصره الذهبي يتمثل في وصوله إلى قمة كمية الإنتاج العالمي، فهو ما نعيشه اليوم. إذ نحن، في الوقت الحاضر، قريبون من نهاية صعود الإنتاج البترولي، أو بلوغ الإنتاج العالمي من جميع أنواع النفوط المستخرجة اليوم إلى أعلى مستوى، قبيل بدء مسار الهبوط. وحسب رؤيتي، فما هو إلا عقد أو عقدان ويتوقف ارتفاع الإنتاج تحت جميع الظروف. وإن كان عصره الذهبي له علاقة بقيمته المادية ومستوى سعر البيع، فهو لم يحن بعد. فهناك توقعات قد تذهل البعض بمفاجآتها عندما يبدأ الإنتاج في الهبوط. وأي فرد من المجتمع له مطلق الحرية أن يختار أحد الخيارين، حسب رؤيته وخلفيته ونظرته. فمحدثكم، شخصيا، وكمواطن ينتمي إلى بلد ينتج البترول ويعيش على دخل البترول، لا أرى أن وفرته في السوق البترولية تمثل عصره الذهبي، على الأقل بالنسبة لنا في الخليج، ولأسباب كثيرة. منها على سبيل المثال، أن وفرة البترول في السوق حتما تؤدي إلى خفض السعر، الذي يمثل الدخل الرئيس لنا. وهذا في غير صالحنا على المدى الطويل. وفي الوقت نفسه، ربما يكون حافزا على استنزاف كميات أكبر ما هو مطلوب للحفاظ على دوام ثروتنا البترولية. وهذا لا ينفي أن يكون العصر الذهبي بالنسبة للمستهلك هو عرض أكبر كمية ممكنة، وهو ما لا نؤيد حدوثه. أما بالنسبة لنا كمنتجين، فيجب أن يكون لمستوى السعر الأفضلية لتحديد زمن العصر الذهبي للبترول. فهو مصدر دخلنا وضمان مستقبل أجيالنا، على أن يصحب ذلك تقنين في كميات الإنتاج. ورب سائل يقول، كيف نكون على وشك الوصول إلى قمة الإنتاج والأرض تحوي أكثر من أربعة تريليونات برميل من البترول؟ والجواب بسيط، فليس كل أنواع البترول تعطي إنتاجا كبيرا يسهم في رفع كمية الإنتاج. إذ نحن الآن على وشك الوصول إلى مرحلة يصعب فيها إنتاج البترول بكميات ضخمة حتى مع نمو الطلب العالمي، كما كانت عليه الحال في زماننا الماضي والحاضر. فقد كنا خلال السنوات الماضية من عمر البترول ننزف كميات هائلة من المصادر التقليدية المعروفة بغزارة الإنتاج، سيقل عطاؤها يوما ما. وهو ما يعني تحول نسبة من الإنتاج إلى مصادر بترولية من غير التقليدي. ونعني بغير التقليدي الحقول التي يكون إنتاجها أكثر صعوبة وأعلى تكلفة وكمياته محدودة، مثل مصادر البترول الصخري والصخر البترولي والرمل البترولي وأنواع أخرى من هذا الصنف. وهو ما يجعلنا نقترب من ذروة الإنتاج العالمي علىالرغم من المحاولات الكثيرة لتفادي ذلك. وعند وصول الذروة يستمر الإنتاج ثابتا لفترة من الزمن قد تبلغ العقد أو عقدين ثم يبدأ بالهبوط القسري الذي لا ينفع معه صرف مزيد من الأموال للمحافظة على مستواه. وكذلك بالنسبة للأسعار. ففي الزمن الذي مضى وانتهى أمره، كنا نشاهد كثيرا من التذبذبات السعرية حسب المزاج السياسي، الذي كان يدعم الصعود والنزول في الأسعار. ولكن الحقبة المقبلة قد تشهد نهاية لهذا التذبذب وعدم وضوح المؤثرات السياسية العالمية. فيصبح لأسعار البترول بوجه عام مسارا واحدا، وهو الصعود المستمر. وهذا ليس تخمينا، بل هو استنتاج مبني على المعطيات التي ذكرناها آنفا. توقف في نمو كميات الإنتاج ثم يليه انخفاض يعتمد على مستوى الصرف المالي. ولكن أين نحن في دول الخليج العربي من العصور الذهبية للبترول؟ قد يظن البعض أننا فعلا نعيش عصرا ذهبيا بفضل الله ثم الدخل الكبير الذي نجنيه من وراء بيع هذه الثروة النادرة والفانية. نعم، هي نعمة كبرى منّ الله بها علينا، ولكن الأهم هو ما وراءها. فنحن لا نريد مستقبلا يفسد علينا متعة الحياة الحاضرة. ولذلك أنا اخترت سعر البيع ليكون هدفنا نحو العصر الذهبي، لعلنا نكتفي بدخل معقول وإطالة لعمر البترول لنتمكن من إيجاد حلول جذرية لتنويع دخلنا والتحول من أمة تعتمد بشكل كبير على البترول إلى مصادر صناعية وخدمية مستديمة.
إنشرها