Author

عام 2016 نقطة التحول للسوق العقارية

|
عضو جمعية الاقتصاد السعودية
حينما بدأت مقاطعة أفراد المجتمع السعودي لشراء الأراضي في 23 أيار (مايو) 2013، على أثر أول إعلان جاد في تلك المرحلة لوزارة الإسكان عن فرض الرسوم على الأراضي البيضاء، لم تأخذ الصدى أو الزخم المجتمعي المأمول، ولم تصل المقاطعة إلى المستوى المؤثر فعليا في أداء السوق العقارية، وظلّتْ أضعف بكثير في مواجهة تماسك العوامل أو التشوهات الداعمة لارتفاع الأسعار، وزيادة المضاربات العقارية من القوى المسيطرة داخل السوق. أعقب تلك الحملة الأولى الضعيفة، حملة أخرى بعد عام في 23 أيار (مايو) 2014 شملت هذه المرة مقاطعة لشراء أفراد المجتمع الأراضي والعقارات على حد سواء، ومع مرور الأشهر التالية أخذت دائرتها في الاتساع والشمولية أكثر من الحملة الأولى، جاءت أصداؤها قوية عبر مختلف وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي، وخدمها في الوقت ذاته بدء العوامل الاقتصادية والمالية في التوافق مع أهدافها، كانخفاض أسعار النفط بعد منتصف عام 2014، ثم البدء في تطبيق أنظمة التمويل العقاري من قبل مؤسسة النقد العربي السعودي مطلع تشرين الثاني (نوفمبر) 2014، والأهم من كل ذلك ارتفاع مستوى الوعي بصورة لافتة لدى أفراد المجتمع السعودي، ووقوفه هذه المرة بقوة في مواجهة جميع إغراءات القوى الفاعلة في السوق العقارية من تجار للأراضي والعقارات والسماسرة والمسوقين، سرعان ما ترجمت آمال وأحلام تلك الملايين من الأفراد في السنة التالية إلى قرارات على أرض الواقع، كان من أهمها فعليا إقرار نظام الرسوم على الأراضي البيضاء داخل المدن والمحافظات. اليوم تكاد السوق العقارية تقف تماما عكس موقفها القوي الذي كانت عليه في أيار (مايو) 2013، فجميع الظروف والعوامل المحيطة بها بدءا من مؤشرات اقتصادية ومالية مرورا بالتحولات الهيكلية والتنظيمية، وانتهاء بوصول مستويات وعي الأفراد إلى أعلى مما سبق طوال العامين الأخيرين، وفوق كل هذا، الإدراك المهم من قبل الدولة لحجم الأزمة الإسكانية وآثارها الخطيرة جدا في مختلف المستويات، وترجمته في إرادة قوية وجادة إلى إجراءات وقرارات صارمة لأجل حل تلك الأزمة التنموية، كل هذا يمكن القول عنه إنه قد قلب الطاولة تماما على رؤوس الأطراف المستفيدة مما كانت تقف عليه السوق العقارية من تشوهات (احتكار، مضاربة)، بدأت مؤشرات تراجعها وانهزامها أمام تلك التحولات مع مطلع الربع الثاني من العام الماضي 2015، أي بعد أقل من عامين من بدء الحملة الأولى لمقاطعة شراء الأراضي! يمكن تلخيص الموقف الذي تقف عليه السوق العقارية المحلية حسبما أشار إليه التقرير الأسبوعي العقاري الأخير؛ أنها تخضع في المرحلة الراهنة لعديد من الضغوط، التي حدت وتحدّ كثيرا من ارتفاع كل من نشاط السوق ومستويات الأسعار فيها، بعض تلك العوامل الضاغطة بدأ منذ الربع الأخير لعام 2014 كانخفاض أسعار النفط الذي بدأ مع منتصف ذلك العام، ثم بدء مؤسسة النقد العربي السعودي في تطبيق أنظمة التمويل العقاري في نهاية الأسبوع الأول من نوفمبر 2014 (تحديد الأعلى لمقدم الحصول على تمويل شراء الأصل العقاري عند ما لا يتجاوز 30 في المائة من قيمته السوقية). ظلّت تلك الضغوط تتزايد طوال الفترات الزمنية التالية حتى الوقت الراهن، من تفاقم الانخفاضات على أسعار النفط وصلت إلى أعلى من 70 في المائة، مقارنة بمستوياته السعرية منتصف 2014، ثم الإعلان عن الموافقة على إقرار الرسوم على الأراضي نهاية آذار (مارس) 2015، وصولا إلى إقراره بصورة رسمية نهاية تشرين الثاني (نوفمبر) 2015، وأخيرا إعلان الموازنة الحكومية للعام المالي الجاري، وتضمنها سياسات مالية أكثر ترشيدا، وتزامنها مع إعلان الدولة عن بدء الخفض التدريجي للدعم الحكومي على الاستهلاك المحلي لموارد الطاقة والمياه. كل تلك العوامل وغيرها من مؤشرات الأداء الاقتصادي والمالي والنقدي أسهمتْ بصورة كبيرة جدا في تحجيم أداء السوق العقارية، وأدت أيضا إلى مواجهة التضخم الكبير لأسعار الأصول العقارية المختلفة، التي وصلت إلى ذروتها السعرية بحلول منتصف عام 2014، الذي قابله عجز كبير من أغلب أفراد المجتمع عن شراء تلك الأصول العقارية المتضخمة سعريا، إلى ارتفاع فائض العرض من الوحدات السكنية (فاق سقف الواحد مليون وحدة)، إضافة إلى الفوائض الأكبر عددا ومساحات من قطع الأراضي السكنية. كل تلك التطورات أدّت مجتمعة إلى تفاقم أشكال الركود على أداء السوق العقارية، ولم تُفلح الانخفاضات النسبية الملموسة بمستويات الأسعار السوقية حتى تاريخه، في التخفيف من حدّة الركود، ذلك أنّه حتى تلك الانخفاضات السعرية المسجلة لا تكاد تذكر في مواجهة الارتفاعات القياسية التي حققتها طوال الفترة 2006-2014، وصلت نسب ارتفاعها خلال تلك الفترة إلى أعلى من عشرة أضعاف مستوياتها السعرية مقارنة بمطلع تلك الفترة. لتتحول الدفّة برمتها وفقا لما تقدّم من جانب توقف الأفراد عن الشراء، إلى جانب أو خانة إقدام أطراف جانب العرض على التنازل والبدء في تخفيض الأسعار السوقية، والعمل على جذب انتباه واهتمام الباحثين عن شراء أراض أو وحدات سكنية! بمعنى أنّ المتمسك بأسعار زمن مضى لن يعود قبل أقل من عقدين من الزمن من تاريخ اليوم، فإنه سيبقى متعلقا بحبائل من الوهم الكبير جدا، وأن من سيقدّم تنازلات في بداية المرحلة الراهنة، فإنّه سيكون أقل تنازلا أو انخفاضا في هوامش الأرباح ممن سيرضخ لمنطق العرض والطلب في السوق بعد أقل من عام قادم، وأنّ من سيتأخّر في الاعتراف بما يواجهه اليوم من عوامل ومتغيرات جديدة إلى فترات قادمة، فلا شك أنّ هوامش أرباحه ستتقلص بدرجات كبيرة جدا، وقد يجد نفسه مضطرا إلى الدخول في دائرة الاضطرار إلى تقليص خسائره عوضا عن مجرد القبول بانخفاض هوامش الأرباح! لقد بدأت عجلة السوق العقارية شأنها شأن أي سوق أخرى في الدوران عكس ما كانت عليه طوال العقد الماضي، وتلك هي سنة الله في الخلق. يبقى الدور على الأفراد الباحثين عن شراء أراضيهم ومساكنهم، العمل المتقن والقدرة التفاوضية الواعية لتحقيق تلك الأهداف المشروعة، وأنه خلال الوقت الراهن الذي يشهد مطاردة البائعين للمشترين (عكس الماضي القريب)، فإن الوقت كلما مضى فهو لصالحهم تماما، وأن الأسعار التي يجدها قد تراجعت بمستويات تراوح اليوم بين 10 و 25 في المائة، من شأنها أن تستمر في الانخفاض بمشيئة الله تعالى مع مرور الوقت القادم، وتحت ضغوط زيادة آثار العوامل والمتغيرات الراهنة، لعل من أقواها تأثيرا البدء الفعلي لتطبيق الرسوم على الأراضي خلال الأشهر القليلة القادمة، التي لا شك أنّها ستحدث ارتباكا شديدا في قلاع الأسعار المتضخمة للأصول العقارية باختلافها. والله ولي التوفيق.
إنشرها