Author

الاقتصاد الإيراني .. «الاستثمار» في الشر

|
كاتب اقتصادي [email protected]
«قيمة سوق الاستثمار في إيران انخفضت بنسبة 42 في المائة خلال 19 شهرا» وزير الاقتصاد الإيراني طيب نيا يبدو للوهلة الأولى، أن رفع العقوبات الغربية المفروضة على إيران، سيحل أزمات اقتصاد هذا البلد المتلاحقة فورا، وسيدفع بالنمو إلى مستويات عالية، وسيزيل العقبات أمام تنمية اقتصادية مستدامة، وسيدفع صناعة النفط إلى مراحل متقدمة، وسيحقق الريـال الإيراني قفزات كبيرة، وسينخفض العجز السنوي في الموازنة العامة، وستتدفق الاستثمارات من كل حدب وصوب. يبدو هذا المشهد للوهلة الأولى، ولا سيما أن النظام الحاكم في طهران، أخذ في تسويق هذه الأوهام على مدى سنوات، لأسباب تخصه أكثر مما تخص البلد كلها. كان يُحمّل العقوبات وفارضيها كل المصائب الاقتصادية التي خلفها نظام الملالي في كل أنحاء إيران. في الواقع استهدف الشرائح المختلفة محليا، بما فيها تلك التي كانت تمثل جزءا من الأمان للاقتصاد، ووفر الحماية والعناية لشريحة واحدة فقط، تخص"المرشد" وما يرتبط به. قبل أسابيع من البدء الفعلي لتطبيق الاتفاق النووي الغربي ـــ الإيراني، أقدم عدد من وزراء حكومة حسن روحاني علنا على التحذير من مغبة انهيار ما تبقى من الاقتصاد الوطني، ليس فقط على صعيد المؤسسات، بل أيضا من جهة الاستثمارات التي انخفضت بصورة مخيفة في فترة زمنية لم تتعد العامين. وبعد هذا الحديث الصريح، أكد صندوق النقد الدولي أن النمو في إيران حتى بعد رفع العقوبات، لن يتجاوز الصفر في العام الجاري، وأن التضخم سيرتفع عن 14 في المائة في العام المذكور. وفي العامين الماضيين وصلت إيران إلى مرحلة تأخر فيها دفع الرواتب في عدد من المنشآت الحكومية بما فيها المؤسسة المشرفة على البرنامج النووي الإيراني كله! بعض موظفي النووي أنفسهم هددوا بإطلاق إضراب! تتفق الجهات المحايدة، على أن الأزمة الاقتصادية الإيرانية لا تتعلق بالعقوبات الغربية التي فرضت على البلاد فقط، بل بسوء إدارة الاقتصاد الوطني، بل ووجود اقتصاد مواز لا يمكن حتى للرئيس نفسه الاقتراب منه، لأنه يتبع "المرشد" الذي لا يزال ينتظر المهدي الضائع! إضافة طبعا إلى تعاظم موجة الفساد ولا سيما في الفترة التي كان فيها أحمدي نجاد رئيسا. أما لماذا تراجع الفساد الآن، لأنه في الواقع لا يوجد شيء في إيران يمكن أن يشكل مصدرا للفساد لأن هذا الأخير استهلكه تماما على مدى سنوات. وفوق كل هذا يأتي الإنفاق الهائل على صناعة المصائب والخراب في غير بلد في المنطقة، على رأس الأولوية "الاستثمارية" لنظام أراد لأطماعه المشينة أن تكون الهدف الأول والأخير، بصرف النظر عن أي تكاليف. وفي ظل هذا المشهد، لم يكن غريبا، أن يوفر نظام علي خامنئي الخطوط المالية "إلى جانب العسكرية والعصابات وقطاع الطرق" لنظام سفاح سورية، في الوقت الذي وصل فيه اقتصاد إيران إلى مرحلة الشلل التام، "مرة أخرى" ليس بفعل العقوبات فقط، بل بسبب التركيز على"استثمارات الشر"، وترك الاستثمارات التنموية التي تحتاج إليها البلاد جانبا. كان طبيعيا أن تخرج مظاهرات وحالات تمرد مختلفة في قلب المجتمع. وكان طبيعيا أيضا، أن تتناقص، على سبيل المثال، طبقة التجار في السنوات الماضية، هربا من استهدافها الذي وصل إلى حد تلفيق اتهامات لعدد من أركانها. وكان من الطبيعي الحرب على مؤسسات الصرافة، لكي تمتثل للقواعد الغريبة التي تصدر عن الحكومة بصورة شبه يومية. لا شك في أن الاتفاق النووي بين إيران والغرب يمثل إنجازا بالنسبة لنظام علي خامنئي، لأنه يفتح مزيدا من القنوات المالية له ولا سيما تلك الأموال المجمدة منذ سنوات في غير بلد، فضلا عن تخفيف القيود عن بعض المؤسسات التابعة لطهران بصورة مباشرة أو غير مباشرة. غير أن رفع العقوبات، لن يوفر انطلاقة للاقتصاد، لأسباب عديدة، في مقدمتها، أن الاقتصاد الإيراني يحتاج إلى إعادة تأهيل تستغرق سنوات، فضلا على أنه لا توجد ضمانات للحد الأعلى من استقلالية صنع القرار الاقتصادي عن مكتب خامنئي. كما أنه لا يوجد حد للأطماع الإيرانية الرهيبة التي أرهقت الاقتصاد، بل وضعته في دائرة الخطر. يضاف إلى ذلك أن أولوية المؤسسة الدينية المشينة لا تزال تصدر الخراب والمشكلات والمصائب لأكبر عدد ممكن من البلدان، ولا سيما دول المنطقة. هذه سورية والعراق ولبنان واليمن والبحرين والكويت والسعودية، تشهد كلها على "استثمار في الشر" الإيراني. لنترك البطالة المتعاظمة جانبا، والتضخم المتصاعد أيضا، وتردي الصناعات المحلية، وافتقار الصناعة النفطية "بما فيها إنتاج الخام" إلى الإنفاق الضروري على مدى سنوات، وتدهور قيمة الريال، ووصول النمو المتوقع إلى الصفر، والآثار السلبية الخطيرة لتراجع أسعار النفط في الأسواق العالمية. لنترك كل هذا جانبا. هل يمكن لإيران بمؤسساتها الدينية الطائفية "بل العنصرية" البغيضة، أن تستثمر رفع العقوبات الغربية بصورة جيدة لمصلحة الإيرانيين أنفسهم؟ الجواب لا يحتاج إلى مختص في شؤون خامنئي، ولا حتى للمهدي الفالت. سيظل نظام الملالي المستثمر الأكبر في كل شر ممكن، لا في كل مواطن مستحق.
إنشرها