Author

الاقتصاد الإيراني

|
مستشار اقتصادي
حين تكون الدولة ثورية توسعية ونفطية لا يمكن أن تفسر التطورات الاقتصادية إلا من خلال منظار الاقتصاد السياسي. هذا لا يعني أن السياسات والتحليل والعوامل الفنية انتفى غرضها ولكنها لا تكفي لفهم ما يحدث في إيران اقتصاديا. إيران في وضع اقتصادي صعب وتعاني لعدة أسباب جوهرية، أولا الأخطاء في إدارة الاقتصاد، وثانيا لأسباب موضوعية مثل انخفاض إنتاج النفط ومن ثم نزول سعره، وثالثا بسبب الحصر والمقاطعة الاقتصادية. قبل الدخول في المعايير المالية والاقتصادية لا بد من الإشارة إلى حالة وظروف الاقتصاد السياسي خاصة أن إيران دولة فقيرة ونامية في المقام الأول. هناك تفسيرات كثيرة لأسباب الثورة الإيرانية، ولكن يتفق أغلب المحللين على أن أحد الأسباب الرئيسة تفاقم الوضع الاقتصادي خاصة بعد انخفاض أسعار النفط على أثر اجتماع الدوحة لدول الأوبك في كانون الأول (ديسمبر) 1976. نزول الأسعار توافق مع رغبة وطموح الشاه في المصروفات العالية في كل أوجه الصرف، أدى ذلك إلى تفاقم التضخم والبطالة وقلة القيمة المضافة في اقتصاد نفطي هش. هناك أيضا بعد اجتماعي سياسي لا يقل أهمية وسبق أن وثق منذ القدم لرغبة الفارسي في الحياة المادية على حساب الأيديولوجية الاجتماعية "لن يقبل كثيرون هذه الملاحظة بسبب نزعة إيران الطائفية اليوم ولكن مقومات الشخصية القومية لا تزال حاضرة تحت السطح". أتى النظام الثوري على خلفية وعود اقتصادية كان أهمها "استفادة" الإيراني من ثروة بلاده النفطية خاصة أن الشاه أهدرها للتسلح والتفاخر. ولكن النظام الثوري لم يف بالوعود بل زادت الصعوبات الاقتصادية ولعل أقوى تعبير تزايد المدمنين على المخدرات أكثر من أي وقت مضى. رغبة الطبقة الحاكمة الجديدة في السيطرة سياسيا واقتصاديا كانت أقوى من عجلة الإصلاح . تعمق المصالح المصاحب لصعود المؤسسة الأمنية العسكرية ممثلة في الحرس الثوري على أثر الحرب جعل الاقتصاد الإيراني رهينة هذه المؤسسة. تدريجيا أصبحت هذه المؤسسة تسيطر على مفاصل الاقتصاد. يذكر أن هذه المؤسسة قومية التوجهات، ولكنها لا تزال ترى أن الغلاف الديني مفيد خاصة في المحيط العربي، فمثلا أثبتت الظروف أن إيران استفادت من العراق اقتصاديا تحت هذا الغلاف. عسكرة الاقتصاد توجه سياسي قبل أن يكون اقتصاديا، ولكن نتائجه الاقتصادية وخيمة وانتهت بأداء سيئ على الرغم من المواهب والكفاءة العلمية التي يعبر عنها كثير من الإيرانيين في الخارج من خلال حضورهم في مراكز أبحاث وجامعات مرموقة في الغرب. الأداء الإيراني يعبر عنه متوسط الراتب الذي يبلغ نحو 450 دولارا للشهر "أقل من ثلث متوسط راتب التركي"، بينما التضخم يصل إلى 15 في المائة بعد أن سجل تحسنا بسيطا على أثر محاولات حكومة روحاني، وتبلغ البطالة نحو 22 في المائة بين الشباب. الدين العام الداخلي يعادل حجم الدخل القومي ما يرفع أسعار الفائدة والديون المشكوك في تحصيلها. أعلنت إيران ميزانية العام المالي الذي يبدأ في 21 آذار (مارس)، تبلغ الميزانية 89 مليار دولار وهي نفس حجم ميزانية العراق، بينما عدد سكان العراق نحو 40 في المائة من سكان إيران. ميزانية إيران أقل من اليونان المثقلة، ولذلك سيكون طريق النجاح طويلا وصعبا حتى في أحسن الظروف. الميزانية الصغيرة نسبيا لا تمكن إيران من توفير الأموال اللازمة للاستثمار ما يحد من فرص النمو خاصة أن الأنظمة والمخاطر السياسية ليست مواتية. فمثلا ذكر بيجان زنقنة وزير النفط قبل عام أن القطاع النفطي والبتروكيماوي يحتاج إلى 200 مليار دولار في السنوات الثماني القادمة، في ظل الظروف المالية والسياسية لن يحدث. آفاق الإصلاح أيضا مرتبطة بحيثيات الاقتصاد السياسي، حيث إن تعمق المؤسسة الأمنية في إدارة الاقتصاد يجعلها تقاوم الانفتاح لأنها تخشى المنافسة. فهي قائمة على سياسة استبدال الواردات والاحتكار وتبادل المراكز الشخصية بين المؤسسة والشركات الحكومية المهمة، وبالتالي هناك مقاومة ضد الانفتاح نحو العالم. كما أن الانفتاح سيزيد متاعب الاقتصاد في المدى المنظور لأن الصناعات الإيرانية لن تستطيع المنافسة أمام الشركات الصينية والكورية وغيرها. السياسة في إيران تعمل ضد مصالح إيران الاقتصادية، ولذلك هناك حالة من عدم التوازن، ولذلك لن تستمر ولكن يصعب تحديد أفق زمني للتطورات المستقبلية.
إنشرها