Author

ساعات الإنتاج أم ساعات الدوام؟

|
كاتب اقتصادي [email protected]
«اختر العمل الذي تحبه، ولن تعمل ليوم واحد في حياتك كلها» كونفوشيوس - فيلسوف صيني راحل هناك لغط واختلافات وتباين حول مسألة تخفيض ساعات العمل اليومية. إنها موجودة بين من يؤيد ومن يعارض ومن لا يزال غير متأكد. وهذا أمر طبيعي خصوصا عندما تكون القضية جديدة على الساحة، ولم تخضع للتجارب، وبالتالي لا تستند إلى أي تراكم زمني. ولو لا طرح دولة كالسويد هذه الخطة، التي تستهدف خفض ساعات العمل اليومية من ثماني إلى ست ساعات، لما تحدث أحد عنها، بل لما فكرت جهات أخرى فيها. فالسويد ليست دولة هامشية على صعيد العمل والإنتاج. وتعتمد بصورة كبيرة على الصناعات والخدمات وغيرها في ناتجها القومي. يضاف إلى ذلك، أنها لا تطرح خطة تخفيض ساعات العمل، من باب "تدليع" الموظفين والعاملين فيها. إن الخطة درست نظريا، وبدأ التطبيق العملي لها. يقول وزير الخارجية الأمريكي الأسبق هنري كيسنجر "عندما يتحدث عملك عن نفسه، لا تتدخل". وقبله قال العالم الأمريكي الشهير توماس أديسون "ما تكون أنت، هو ما تقوم به". أي أن العمل بنتائجه وعوائده ومكتسباته وآثاره، يبقى الفصل في كل شيء ولا سيما التقييم والقيمة الحقيقية له. والإنتاج في المؤسسات الناجحة على مر العقود، كان دائما يقاس بالإنجاز لا بساعات العمل، رغم أن هذه الأخيرة تمثل محورا رئيسا على صعيد العمل والإنتاج. فإذا استطعت أن تنجز المهمة بأعلى مستوى من الحرفية في زمن أقصر مما هو محدد لها، فلماذا تنتظر مزيدا من الوقت في عملك، أو تؤخر الإنتاج نفسه ليتساوى زمن المهمة مع المرحلة الأخيرة للإنتاج؟! بالطبع لا تزال أغلبية المؤسسات والشركات حول العالم تستند إلى النظم التقليدية المعمول بها منذ اختراع الدوام الرسمي. عليك أن تقضي ساعات العمل في العمل، حتى لو لم يكن لديك عمل بالفعل. وهذا قانون، بل حق وفق القانون. وعند هذه النقطة عادة لا تحسب خسائر وجود من لا يعمل في عمله لإتمام ساعاته. والكل يعرف أن هناك مؤسسات وشركات "معظمها حكومية" حول العالم، لا فرق لديها بين موظف مكد ومجتهد وآخر نائم، طالما كان الاثنان في مواقع عملهما في الوقت المحدد لهما. ولا يخرجان قبل إتمام الساعات المنصوص عليها في عقودهما. والحقيقة، أن المسألة برمتها تتعلق بالإدارة قبل أن ترتبط بالموظفين. إدارات ترى ساعات الدوام مقدسة، وهذه النظرة توفر عليها كثيرا من الجدل والحوارات والوقوع في الأخطاء. بعد القرار السويدي أقدمت أخيرا بعض الشركات الكبرى على تنفيذ الخطة الجديدة، من بينها "تويوتا" لصناعة السيارات. المثير في الأمر، أن هذه الشركة التي تتربع على قمة أكثر المؤسسات تصنيعا للسيارات عالميا، فإن العاملين لديها "في السويد"، كانوا أكثر سعادة بنظام الدوام الجديد، والأهم أيضا أنها استفادت من تخفيض النفقات، وزادت أرباحها بعد تقليل عدد ساعات العمل. تقول زادت أرباحها؟! نعم. ومن الواضح أننا لا نستطيع خوض جدال مع شركة كهذه حققت نجاحات تاريخية لم تسبقها إليها أي شركة أخرى منتجة للسيارات. وجد موقع متخصص في التوظيف أن هذه الخطة ربما لا تكون جيدة! لماذا؟ لأنه لم يتلق طلبات وظائف يطبق عليها نظام الدوام ست ساعات في اليوم. وبالتأكيد لم يشر الموقع، إلى أن التجربة ما زالت جديدة، وأن المتقدمين للحصول على الوظائف يفضلون الظهور مسبقا بمظهر القابل للعمل وفق دوام نظام الثماني ساعات. ليس مطروحا هنا ما أعلنه رجل الأعمال المكسيكي الشهير كارلوس سليم قبل عام تقريبا، أنه من الأفضل العمل لثلاثة أيام في الأسبوع على أن تكون ساعات العمل اليومي 11 ساعة، ورفع سن التقاعد إلى 75 عاما. إن هذا الطرح يعتبر شائكا وغير قابل للتطبيق، رغم أنه ليس متطرفا كما يبدو، لأن سليم رفع في الواقع ساعات عمل اليوم، وقلل عدد أيام العمل. وفي كل الأحوال، تبقى الخطة السويدية الأكثر أمانا عمليا ونظريا، ولا سيما في أعقاب نجاح تجربتها ليس في متجر صغير للبقالة، بل في أكبر شركة لصناعة السيارات في العالم. ومن النتائج المهمة التي توصل إليها من جرب تقليل دوام العمل، أن الموظفين تمتعوا بالسعادة ليس لأنهم لا يعملون ساعتين، بل لإمكانهم المواءمة الحقيقية بين وظائفهم وواجباتهم وحياتهم العائلية. يحسب المختصون حتى تكاليف الأمراض الناتجة عن ساعات العمل الأطول، ويضيفون ذلك إلى الخسائر باتباع نظام الدوام التقليدي المعروف. لا شك في أن المسألة تحتاج إلى مزيد من التجارب والوقت، وكلما ظهرت مؤسسة مثل "تويوتا" تدعم التوجه الجديد، تسارعت الخطوات نحو نظام عمل جديد ومبتكر بالفعل. سيكون المحور الرئيس في المستقبل مستوى وجودة وقيمة الإنتاج، لا مراقبة الموظف حتى ينهي الدقائق الأخيرة من دوامه اليومي. بالطبع هناك شرائح ستشعر بالسعادة من تخفيض ساعات الدوام الرسمي، لأنها تحتال أساسا على ساعات الدوام التقليدي. لكن الشرائح الأكبر الأخرى، تستهدف الإنتاج والإنجاز وتقديم عوائد، حتى لو تطلب الأمر العمل لساعة واحدة فقط.
إنشرها