Author

أليست بريطانيا دولة كبرى؟

|
كاتب اقتصادي [email protected]
"أنا لست بريطانيا انعزاليا. لا أريد فقط صفقة جيدة لبريطانيا، بل صفقة جيدة لأوروبا أيضا" ديفيد كاميرون رئيس وزراء بريطانيا يمكن وضع ديفيد كاميرون رئيس وزراء بريطانيا ضمن قائمة الشخصيات السياسية المحافظة الصادقة حيال العلاقة البريطانية مع أوروبا بشكل عام، والاتحاد الأوروبي على وجه الخصوص. هناك شريحة من شخصيات حزب المحافظين تعلن غير ما تبطن حيال هذه المسألة، وهناك أيضا من يعلن كراهيته الصادقة لأوروبا، إلا إذا كان داخل الحكومة، في هذه الحالة يقدم الكراهية هذه على شكل انتقاد. لكن، الجميع مفضوح في المعسكر المحافظ من حيث مواقفه ومشاعره، فحتى أولئك الذين استعاروا التقية الشيعية البغيضة، لم يتمكنوا من تحقيق النجاح فيها. ربما لأنهم ليسوا تابعين لـ "ولاية الفقيه" الإيراني الذي يشرع الكذب في أي شيء. فكيف الحال بقضية مصيرية كبقاء بريطانيا ضمن الاتحاد الأوروبي؟ في كل الأحوال كاميرون صادق، فهو يرغب في بقاء بلاده ضمن الاتحاد الأوروبي، لكن بشروط أو بصفقة تمكنه من تسويق البقاء على الساحة البريطانية، التي شهدت ارتفاعا ملحوظا في أصوات المناوئين للاتحاد، ولا سيما الداعية إلى الانسحاب منه، بصرف النظر عن أي مبررات. وحاول على مدى أكثر من عامين، أن يتوصل إلى اتفاق مع الاتحاد قبل عرض مصير بقاء بلاده فيه على استفتاء بريطاني عام. ولو لم يفعل ديفيد كاميرون شيئاً على الساحة البريطانية، فإنه دخل التاريخ حقاً، من جهة إجرائه استفتاء حول بقاء اسكتلندا ضمن نطاق المملكة المتحدة، وها هو الآن يستعد في العام المقبل لاستفتاء مصيري تاريخي حول وجود بلاده في الاتحاد الأوروبي. نجح في الأول، وسط مخاوف مرعبة. هل ينجح في الثاني؟ هذه المسألة تكاد تكون القضية الطاغية الوحيدة على الساحة البريطانية، ليس فقط على الصعيد السياسي بل والشعبي أيضا. كاميرون لا يريد لوزرائه ومساعديهم أن يعلنوا معارضتهم للاتحاد، حتى وإن كانوا يعارضونه فعلا. من بين هؤلاء من يعتقد أن شبح زعيمتهم الراحلة مارجريت ثاتشر "سيعود" في الوقت المناسب لقلب الطاولة على رأس كاميرون ومن يسانده داخل الحزب البريطاني الحاكم. "الثاتشريون" ما زالوا موجودين في قلب الحكم البريطاني، ولكن ليس لهم نفوذ يمكنهم من تمرير ما يريدون تمريره محليا وخارجيا. ديفيد كاميرون يعرف ذلك، فهو لا يريد تدمير الحزب ولا ربط المملكة المتحدة بالاتحاد الأوروبي، ولذلك يسعى إلى صفقة مع الأوروبيين، تدعمه داخل حزبه، قبل أن تدعمه على الساحة الوطنية. وسائل الإعلام اليمينية تدفع باتجاه الضغط على كاميرون للسماح لوزرائه بالحديث الصريح عن موقفهم من الاتحاد الأوروبي، ويرى رئيس الوزراء أنه من الخطورة بمكان أن يتم منح هذه الحرية، في الوقت الذي يحشد له من أجل نتيجة استفتاء بكلمة كبيرة هي "نعم" للبقاء في الاتحاد. لكنه قد يرضخ للضغوط على اعتبار أن المسألة وطنية تتعلق بمصير البلاد كلها. وعلى هذا الأساس يريد صفقة أكثر سرعة وملاءمة للوضع العام. وتبقى مسألة حظر الوافدين الأوروبيين إلى بريطانيا من الدخول إلى المنافع الاجتماعية والمالية المحلية لمدة أربع سنوات، هي القضية الأهم التي تلفت الانتباه، وربما تغير آراء المناوئين للاتحاد الأوروبي إلى موافقين عليه. والتفاوض هنا حول أربع سنوات أو ثلاث سنوات، أي أن كاميرون لا يلبث أن يحصل على الموافقة الأوروبية في هذا الشأن. الشعور البريطاني بشكل عام حيال أوروبا ليس حكرا على بريطانيا. فالأزمة الاقتصادية العالمية (وليس مسألة تدفق اللاجئين الراهنة) كانت السبب الأول والمباشر الذي أطلق "القومية الاقتصادية". بمعنى ألا تكون البلدان الأغنى في الاتحاد الأوروبي، موردا ماليا واجتماعيا إلى الدول الأقل غنى أو الفقيرة. لكن المسألة لا تتعلق بالمشاعر، بل بالقوانين والاتفاقات التي تم التوصل إليها على مدى عقود. فالدول الغنية تحقق مكاسب كبيرة من هذا الاتحاد، لمجموعة من الأسباب، في مقدمتها أن بلدان الاتحاد توفر سوقا مضمونة وسهلة الوصول إليها. وهذه النقطة على وجه الخصوص، تؤرق المؤيدين للاتحاد الأوروبي في بريطانيا. خروج المملكة المتحدة من الاتحاد، يعني أنها ستخسر الأفضلية ليس فقط في تسويق المنتجات بل كذلك الخدمات المختلفة. لا حجج قوية لدعاة الخروج من الاتحاد، كما أن الخلاف مع المؤيدين لا يدخل ضمن ما يروجه اليمين المتطرف بزعامة زعيمة التيار اليميني الفرنسية مارين لوبين، التي وصفت الاستفتاء البريطاني التاريخي المقبل بأنه منافسة بين القوميين ودعاة العولمة. إنها في الواقع ترتكز على المكتسبات الوطنية في الحدود الضيقة. في حين يرى المؤيدون أن بريطانيا لا يمكن أن تستمر بوضعها الحالي من دون علاقات أقرب للوحدة مع أوروبا، يعتقد المعارضون، أن بريطانيا تدفع أكثر مما يجب أن تدفعه بسبب عضويتها في الاتحاد الأوروبي. والحقيقة، أن أحدا لا يدفع أكثر من أحد لا في أوروبا ولا على الساحة الدولية. هناك "ضرائب" ينبغي على البلدان الكبرى أن تدفعها، بصرف النظر عن أي اعتبارات. أليست بريطانيا دولة كبرى؟!
إنشرها