Author

تقرير «ماكنزي» عن الاقتصاد السعودي

|
مستشار اقتصادي
حين فكرت في الكتابة عن التقرير الذي صدر في ديسمبر 2015 كان الخيار إما استعراض التقرير أو محاولة عرض ملاحظاتي. لأسباب موضوعية وعملية لا يمكن لعمود صحافي أن يعطيه حقه على الرغم من تركيزه على الاقتصاد، ولذلك رأيت أن أستعرض أهم ما جاء فيه ومن ثم العودة للحديث عن ملاحظاتي في عمود لاحق. أتى التقرير ليأخذ بتجربة وأداء الاقتصاد في الفترة من 2003 إلى 2013 ليمهد لاستشراف الفترة من 2015 وحتى 2030. أتى التقرير ليعرض التحديات والفرص ولذلك سيجد الناقد مساحة وسيجد الإصلاح فرصا واعدة خاصة أنه ينقل القارئ من حقيقة أن الأداء الاقتصادي العام والخاص وحتى دخل ورفاهية المواطن اعتمدت على الحكومة مصحوبة بإنتاجية ضعيفة ولكن فرص الارتقاء والتقدم وتفادي المخاطر تعول على أداء أكثر توازنا بين الحكومة والقطاع الخاص ودور المواطن المباشر من خلال التركيز على الإنتاجية. لذلك هناك دعوة صريحة للتحول في العقلية والممارسة الاقتصادية من اقتصاد يقوده القطاع العام ومن فوق إلى أسفل، إلى اقتصاد يبدأ من الأسفل للأعلى بقيادة القطاع الخاص. شهدت المملكة ازدهارا اقتصاديا في العقد المذكور حيث أصبح اقتصاد المملكة الـ 19 عالميا في الحجم بعد أن تضاعف الإنتاج القومي الإجمالي وارتفع متوسط دخل العائلة بنسبة 75 في المائة، وشهد توليد 1.7 مليون فرصة عمل، واستثمرت الحكومة في البنية التحتية والخدمات خاصة التعليم والصحة ومع هذا وصلت الاحتياطيات المالية إلى حجم الاقتصاد بنحو750 مليار دولار في نهاية عام 2014. يذكر التقرير أنه لا يمكن استمرار النمو من خلال الاعتماد على العوائد النفطية والمصروفات العامة. يذكر التقرير أن أحد العوائق الرئيسة هي انخفاض نسبة المشاركة في سوق العمل من السكان والتي تصل إلى 41 في المائة بسبب الدور المحدد للمرأة ونسبة الزيادة في الإنتاجية والتي وصلت0.8 في المائة، كذلك يذكر أن أداء الطلاب السعوديين في أحد الاختبارات العالمية كان أقل من المتوسط العالمي بفارق مخيف كإحدى أقل دول العشرين نموا في الإنتاجية. طبقا للتقرير فإنه حتى لو اتخذت سياسة عامه بتجميد المصروفات والحد من الاستقدام فإنها لن تكفي لمواجهة تحديات البطالة وانخفاض الدخل وحالة المالية العامة للحكومة. يقابل ذلك التحدي فرص استثمارية واعدة في حالة قيادة تحول مؤثر حيث يمكن أن يتضاعف حجم الاقتصاد وتوليد ستة ملايين فرصة عمل من خلال استثمار أربعة تريليونات دولار في ثمانية قطاعات، أهمها التعدين والبتروكيماويات، والصناعة، وقطاع التجارة خاصة في التجزئة، والسياحة خاصة الدينية، والرعاية الصحية، والخدمات المالية. طبقا للتقرير هناك حاجة لعملية تحول مجتمعية ولذلك هناك حاجة لكل المستفيدين من الحكومة والقطاع الخاص والمستثمرين الأجانب والمواطنين بما في ذلك من قبول المواطن للمسألة المباشرة. لتسريع عملية التحول في المملكة لابد من تغير نموذج قيادة الاقتصاد بواسطة القطاع العام إلى الخاص ودور المرأة في دخل العائلة. طبقا لماكنزي فإن التحول سوف يعتمد على ثلاثة أعمدة، الأول قوى عاملة أكثر إنتاجية، والثاني منظومة إصلاحات اقتصادية، والثالث إدارة مالية عامة مستدامة. أحد مظاهر التحدي أن التحسن في دخل العائلة السعودية جاء على خلفية اعتماد أكثر على الحكومة؛ فبينما كان نحو ثلثي الدخل العائلي يأتي من القطاع العام في 2003 ارتفع إلى 80 في المائة في 2013 وتزامن ذلك مع تزايد اعتماد الحكومة على دخل النفط في الفترة نفسها من 79 في المائة إلى 90 في المائة, بينما بلغت الاستثمارات 1.6 تريليون دولار مقابل نصف تريليون من 1992 إلى 2002. يختم التقرير بأن المملكة أنهت الفترة 2003-2013 بمركز مالي قوي واستثمارات مؤثرة في البنية التحتية والخدمية ما يعطي الاقتصاد مصادر قوة جوهرية خاصة أن لدى المملكة تركيبة سكانية مواتية تشجع على النمو ودرجة عالية من التمدن حيث يقطن المدن نحو 83 في المائة وهذه نسبة أكبر من كثير من دول العشرين، وتسهِّل عملية التحول وتضافر الجهود وتعميق المنافسة.
إنشرها