Author

تأثير السياسة النقدية الأمريكية في الاقتصاد السعودي

|
مختص بالأسواق المالية والاقتصاد
تجاوب مؤسسة النقد السريع مع إعلان مجلس الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي الأمريكي) برفع معدل الفائدة إلى نصف نقطة مئوية يشير مرة أخرى إلى التحديات التي يواجهها الاقتصاد السعودي نتيجة ربط الريال السعودي بالدولار الأمريكي. لا شك أن هناك فوائد عديدة للارتباط، كثبات سعر الصرف وتأثيره الإيجابي في الاستثمارات الخارجية والاستفادة أخيرا من قوة الدولار، إلا أن هذا الربط بالدولار يجعل من الضروري على المملكة اقتفاء أثر السياسة النقدية الأمريكية خطوة خطوة، التي غالبا تكون مخالفة لواقع الاقتصاد السعودي. في السنوات الماضية كان لزاما على مؤسسة النقد مواكبة الولايات المتحدة في خفض أسعار الفائدة إلى قرب الصفر، على الرغم من أن ظروف الاقتصاد السعودي مختلفة تماما عن الظروف الأمريكية. ونتيجة لهذه المواكبة ارتفعت السيولة في النظام المصرفي بشكل كبير، وانخفضت تكلفة الاقتراض بشكل غير مسبوق، ما أدى إلى تضخم أسعار العقار وارتفاع نسبة المديونيات الشخصية. وفقا للظروف التي يمر بها الاقتصاد السعودي في الفترة الحالية، فإن رفع أسعار الفائدة في هذا الوقت ليس مثاليا وربما يتسبب في تحديات سلبية كبيرة لقطاع الأعمال وحجم إنفاق الأفراد وأسعار العقار ومعدل التضخم. نحن الآن بحاجة لإبقاء أسعار الفائدة منخفضة، ولا سيما أن الحكومة لديها برنامج للاقتراض من المصارف، وهذا بحد ذاته سيؤدي إلى الدفع بأسعار الفائدة إلى أعلى. ومن جهة أخرى من المتوقع أن تنخفض وتيرة الإنفاق الحكومي، التي عادة تواجه بزيادة استثمارات القطاع الخاص ومستوى الإنفاق من قبل الأفراد، ولكن كيف سيتم ذلك إذا كانت أسعار الفائدة ستتصاعد؟ ثم لدينا قطاع عقاري متضخم لا يحتمل أي ارتفاع في أسعار الفائدة. رفعت مؤسسة النقد في الأسبوع الماضي من سعر اتفاقية إعادة الشراء المعاكس إلى نصف نقطة مئوية، ما يعني أن المصارف سترفع قليلا من تكلفة الإقراض، والسبب أنها الآن ستحصل على سعر أعلى متى ما قامت بإيداع احتياطياتها لدى المؤسسة، فتحقق نصف نقطة مئوية بدلا من ربع نقطة مئوية، لذا من المتوقع أن ترتفع تكلفة الاقتراض من المصارف قليلا، ولكن ليس بربع نقطة مئوية. هنا يجب التوقف والتنبيه لاختلاف المصطلحات، فبينما المؤسسة تتحدث عن ربع نقطة مئوية في تكلفة الفائدة، فإن ذلك مختلف تماما عن النقطة المئوية التي تستخدمها المصارف في تسويق قروضها. السبب هو أن المصارف تستخدم طريقة النسبة الثابتة بينما المؤسسة تستخدم معدل النسبة السنوية APR، والفارق كبير جدا، يمكن للقارئ الرجوع لمقال "لغط كبير بخصوص الفائدة التناقصية". الخلاصة أن زيادة ربع نقطة مئوية من قبل المؤسسة تعني ارتفاعا في حدود ثمن نقطة مئوية فقط للقروض المصرفية حسب الطريقة المتعارف عليها بين الناس. من مسلمات الاقتصاد الكلي أن الدولة التي تتبنى سعر صرف ثابتا أمام عملة دولة أخرى، تفقد المقدرة على التحكم في العرض النقدي لعملتها، وبالتالي التحكم في مستوى سعر الفائدة المحلية، إلا إذا كانت لديها قيود على تحركات رؤوس الأموال منها وإليها، وهذا لا يوجد في المملكة. يتبقى إذا لدى البنك المركزي سلاح وحيد ألا وهو السيطرة على سعر الصرف، الذي يجب أن يبقى ثابتا لا يتغير لبث المصداقية والموثوقية في سياسة البنك المركزي، وبالتالي استقرار الأسعار وجذب الاستثمارات الخارجية. وضريبة الارتباط الثابت بعملة أخرى، حيث أن أسعار الفائدة المحلية يجب أن تكون مطابقة إلى حد كبير لأسعار الدولة الأم، الأمر الذي لا بأس به إن كان الوضع الاقتصادي متشابها في كلتا الدولتين، وكلتاهما تمران بالدورة الاقتصادية ذاتها. وعلى الرغم من أنه يقال إن السياسة النقدية المستقلة لا توجد حاليا حتى في الدول ذات العملات المعومة - بسبب ترابط الاقتصادات العالمية واندماجها - إلا أن سلطة البنك المركزي ذي العملة المثبتة محدودة بشكل كبير. من جهة أخرى، أبقت مؤسسة النقد على سعر اتفاقيات إعادة الشراء عند 2 في المائة، ما يعني أن المصارف ممكن لها الاقتراض من المؤسسة بهذا السعر، غير أن المصارف فعليا تقترض من بعضها البعض وفقا لمعدل الفائدة السائد بين المصارف (معدل السايبور) الذي أخذ في الارتفاع في الأشهر الماضية إلى أن تجاوز 1.3 في المائة حاليا، ولكنه يبقى أقل من الاقتراض المباشر من المؤسسة. لذا كان من الطبيعي ألا ترفع المؤسسة معدل الفائدة للاقتراض منها وتبقيه عند 2 في المائة، طالما أن المصارف تقترض فيما بينها بسعر أقل. مؤسسة النقد بحاجة إلى دعم وتطوير سوق أوراق الدين المحلية، الذي يتم من خلال إيجاد سوق ثانوية نشطة تساعد على التحكم في السيولة النقدية. حاليا، السلاح الوحيد المتاح للمؤسسة يتمثل في تداول سندات التنمية الحكومية وأذونات الخزانة من خلال آلية اتفاقيات إعادة الشراء مع المصارف، وذلك يساعد نسبيا في مقدرة المؤسسة على التحكم في السيولة، إلا أنه ليس فاعلا بشكل كبير ولا يؤدي إلى سرعة تحقيق سعر الفائدة المستهدف من قبل المؤسسة. بمعنى أنه على الرغم من أن المؤسسة تستهدف سعر فائدة بمقدار 2 في المائة بين المصارف، إلا أن ذلك لم يحدث على أرض الواقع، حيث بقي معدل (سايبور) دون 1 في المائة لفترة طويلة. الآن مع الأسف سيتحقق السعر المستهدف بسبب ارتفاع أسعار الفائدة الأمريكية، وسيتم ذلك في الوقت الخاطئ. الخلاصة أن مؤسسة النقد في وضع لا تحسد عليه، فسياستها النقدية مقصوصة الأجنحة، وفي الوقت الذي من المفترض عليها أن تبقي أسعار الفائدة متدنية وربما حتى خفضها، تجد المؤسسة نفسها مضطرة لرفع أسعار الفائدة تماشيا مع أسعار الفائدة الأمريكية، منعا لظهور فروقات كبيرة بين الفائدة على الدولار والفائدة على الريال، وما ينتج عن ذلك من اختلالات وضغوط على سعر الصرف.
إنشرها