Author

مقطوع من شجرة

|
أبصر محمد النور في دار الأيتام بحائل، كان يتساءل عن عدم وجود أب له ولا أم! كلما سأل أحدا حوله عنهما أدار ظهره له، التقط في الدار كتيبا كان مستلقيا على رفوف المكتبة بعنوان:(مجهول الأبوين)، وكان يشير إلى أن مجهول الأبوين من لا يعرف له لا أب ولا أم ويعيش في دار الأيتام، فاكتشف محمد حينها أنه مجهول الأبوين، شعر بصدمة كبيرة وحزن غفير. كان محمد يراقب زملاءه وهم يخرجون من المدرسة برفقة آبائهم بينما كان يخرج برفقة ألمه وحزنه وضيقه... كان يتعذب عندما تفلت من رفاقه في الفصل كلمة أمي، فهذا الكائن يسمع عنه ولم يشاهده، يقرأ عنه ولم يتذوقه. عاش أياما عصيبة في المدرسة لأنه لا يملك أل التعريف في نهاية اسمه كالآخرين. كان اسمه محمد عبد الواحد محمد عثمان (الذي اختاره له مشرف مصري في دار الأيتام)، وكلما سئل عن اسمه أجاب: محمد عبد الواحد. كانت إجابته مصدرا لتهكم وسخرية زملائه الذين يلاحقونه بسكاكين أسئلتهم: ما قبيلتك؟ ما اسم عائلتك؟ ما أصلك؟ بات محمد معزولا كأنه مصاب بالجرب، الجميع يهرب منه ويتهكم عليه. لم يكتف رفاق فصله بالسخرية على أصله، بل جلدوه بألسنتهم على هيئته. انهار محمد إزاء هذا الهجوم المتواصل.. ذات حزن لكم وجهه في المرآة وقال وهو يجفف الدم الذي تطاير من يده جراء كسره للمرآة: لمَ أنا هكذا؟ حزن كثيرا حتى تعب من الحزن وأصر أن يغير واقعه. ثابر وكافح دراسيا، حفظ أجزاء كثيرة في القرآن ساعدت روحه على المقاومة وعقله على الاستذكار والإدراك بشكل أكبر، أصبح الطلاب الذين يهربون منه يرجونه أن يشرح لهم ويعطيهم من وقته. تخرج محمد أول على الدفعة بامتياز مع مرتبة الشرف من جامعة حائل. ليس هذا فقط، بل أصبح خطيبا مفوها يصعد المنابر يقدم الأمسيات ويشعل اللقاءات بحضوره وثقافته وثقته بنفسه. تخطى محمد كل همومه، تجاوز كل ماضيه، صنع حاضره ومستقبله، قرر ألا يظل مقطوعا من شجرة.. أراد أن يكون أصلا لشجرة.. لم يتبق له سوى أن يتزوج ويكون أسرة ويرزق بأطفال ينادونه بابا.. هذه الكلمة التي طالما تمنى أن يرددها، واقترب كثيرا من أن يسمعها. يا أصدقائي الطرق الممهدة لا تصنع سائقا ماهرا، كلما كانت التحديات أكبر نجحنا أكثر.

اخر مقالات الكاتب

إنشرها