Author

ما خيارات طالب السكن بعد «الرسوم»؟

|
عضو جمعية الاقتصاد السعودية
كانت خيارات الباحث عن تملك سكنه قبل إقرار الرسوم على الأراضي، واحدة من اثنتين، إما الرضوخ لاشتراطات وتحكم جانب العرض، والاستسلام التام أمامها بدءا من نوع المسكن، وانتهاء بالسعر المتضخم المجحف! وإما البقاء تحت رحمة الجانب نفسه، ولكن في خانة أخرى اسمها حفرة الإيجار. لكن بعد أن بدأت حلول فاعلة في الظهور، لعل أهمها على الإطلاق المتمثل في إقرار الرسوم على الأراضي البيضاء، الذي يستهدف تفكيك صخرة الاحتكار، وما نتج عنها من اختلال تام بين قوى العرض والطلب، وتوالي قدوم بقية الحلول الأخرى المتركزة على إعادة تنظيم سوقي الإسكان والعقار، ووضعهما تحت السيطرة وتطبيق الأنظمة والتشريعات، التي ستحولهما من مجرد فقاعة سعرية ألحقت أشد الأضرار بالاقتصاد الوطني والمجتمع، إلى سوق أكثر تنظيما تنعكس إيجابا على البلاد والعباد. هل سألت نفسك يوما؛ ما الذي وقف بينك ومعك أسرتك وبين أن تمتلك مسكنا يؤويكم بقية الحياة؟ هل هو غلاء الأسعار الذي ظل يتفاقم أمام ناظريك بوتيرة مجنونة غير مسبوقة؟ ويقينا في داخلك؛ يؤكد لك أن رداءة تنفيذ وبناء تصميم هذا المسكن مقابل فداحة ثمنه، لا تعني في حقيقته إلا غبنا جائرا لحقك وحق أسرتك عليك؟ ويعني أيضا أن اضطرارك لتحمل أعباء قروض مصرفية طائلة، واستقطاع سداد أقساطها لأكثر من نصف دخلك طوال ما بقي من حياتك، ولقاء هذا البون الشاسع بين منتج سكني رديء التنفيذ من جهة، وثمن باهظ جدا لهذا المنتج السكني بصورة مبالغ فيها، قد لا يستحق كقيمة عادلة وحقيقية عشر سعره السوقي من جهة أخرى. وما الذي أجبرك على القبول بالمذاق المر (الإيجار)، إلا ما هو أكثر مرارة منه (غلاء الأسعار وقهر الديون)؟ صبرت مرغما عنك لا بطولة منك طوال تلك السنوات الخوالي، ورأيت وما أصعب ما رأيت أن طريقك ومعك أسرتك الحبيبة، قد ضاقت ثم ضاقت عليه وعليكم الأرض بما رحبت، وظننتم أنه لا ولن يفرج هذا الضيق في المعيشة! فما العمل؟ وماذا بيد قصرت حيلتها أمام ما لا حول لها عليه ولا قوة؟ عجزت تماما تحت جدران عالية وصلبة البناء، أعمى عيني مَن شيدها وأصم أذنيه الجشع والطمع، الذي لا قبل لأحد به من المغلوب على أمرهم! ما أكثر ما كتب وما تم قوله حول تفسير وإيضاح أسباب وعثاء أزمة الإسكان والعقار، حتى أتى أخيرا الفرج، وبدأ أول الحلول الحقيقية في الظهور والسيطرة (نظام الرسوم على الأراضي البيضاء)، لتنقلب الحال إلى حال أخرى لم تكن في الحسبان، ولينتج عنها بدء اتساع وتعدد خيارات طالب السكن، مقابل انحسارها بالنسبة لجانب العرض، فإما أن يطور أرضه ويعرضها للبيع، وإما أن يتخارج منها فيأخذها من لديه القدرة على إحيائها وإعمارها كما أمر رب العالمين، فلم يعد لمنطق (الأرض لا تأكل ولا تشرب) مجالا للحياة أكثر مما مضى، وما نظام الرسوم على الأراضي إلا ليقضي على هذه (الفكرة) التي أكلت وشربت خيرات البلاد والعباد، تاركة خلفها أزمات اقتصادية ومالية واجتماعية هي ما نشاهده اليوم في أزمة العقار والإسكان. الخيارات المتاحة الآن أمام الباحث عن تملك مسكنه، تبدأ من اللحظة بالتعدد والاتساع، وشهرا بعد شهر ستتعدد وتتسع بمشيئة الله تعالى. ذلك أن السياسات والإجراءات الأخيرة التي تم اتخاذها، ستؤدي إلى تحرير الأراضي والعقارات من سيطرة الاحتكار، ومن ثم إلى إسقاط تضخم أسعارها المبالغ فيه، والعودة بها إلى مستويات مقبولة من حيث دخل المواطن، وقدرته على الاقتراض اليسير بما لا يدخله في دهاليز ضنك المعيشة، وسوء المنقلب مستقبلا فيما لا طاقة ولا قدرة له ولا أسرته على التعايش معه. انتظار الباحث عن سكن، ودراسة خياراته الممكنة وغير المكلفة هو المدخل الرئيس الآن لأي قرار يزمع اتخاذه، فمن حقه اليوم وغدا البحث عن شراء المسكن الأنسب بالنسبة إليه، لكن وفق قدرة دخله وحاجته وحاجة أسرته، وبالسعر العادل الذي لا شك أنه سيراه ـــ بمشيئة الله ـــ قريبا أدنى بكثير من الأسعار المبالغ فيها اليوم، وفترة بعد فترة سيرى المواطن كيف أن منتجات سكنية وخيارات أكثر، ستصبح أمامه متاحة دون قيد أو شرط من قوى الاحتكار، وعندها يمكنه اتخاذ القرار الذي لا يرهقه ماديا، وفي الوقت ذاته، يمتلك مسكن العمر الذي طالما حلم به. دع عنك مقولات بيت المرحلة، والقبول قسرا بأسعار السوق، وغيرها من مقولات وضعت بذورها وزرعت في حقبة سيطرة الاحتكار، فحينما تعود السوق إلى سيطرة قوى المنافسة رغما عنها، وتتخلص من قبضة الاحتكار، سيكون لها شأن آخر! فحينما يستأجر المواطن مسكنه المناسب بتكلفة لا تتعدى نسبتها من دخله السنوي سقف 20 إلى 25 في المائة من دخله، ويبدأ في منظور الأعوام التالية في البحث عن تملك مسكنه المناسب، ومن ثم يقرر الشراء بما تتجاوز تكلفة أقساط تملكه النسبة ذاتها أعلاه أو أدنى منها، فهذا يعني سهولة المعيشة، وتوافر متطلبات التنمية المستدامة الشاملة، لا كما هو قائم اليوم في ظروف بالغة التعقيد على المستويات المعيشية والتنموية كافة؛ أن يدخل الفرد وأسرته نفقا مظلما إما أن يتحمل تكلفة إيجار مسكنه، بما تفوق نسبة استقطاعها من دخله السنوي أعلى من 50 في المائة، وقد تصل إلى أعلى من 75 في المائة! وإما تستقطع النسبة ذاتها مقابل تملكه مسكنا لا شك أنه أدنى من الوفاء باحتياجاته المعيشية والأسرية. إن الخيارات المتاحة أمام المشتري في الوقت الراهن، ومع اتساعها وتعددها قريبا، هي المكسب التنموي الذي لا يجب التفريط فيه مهما بلغت إغراءات (الهاربين) من ضربة الرسوم على الأراضي، فالوقت الآن في مصلحتك، على العكس تماما ممن كانوا إلى ما قبل أيام معدودة، يتغنون بـ(الأرض لا تأكل ولا تشرب)، وما هي إلا أقل من عام إلا رأيتها تأكل وتشرب ما في أيديهم من فوائض هائلة جدا لأرباح تضخم أسعارها دون أدنى جهد منهم، لم تكن لولا وجود غمامة سوداء للاحتكار على بياض أراض قفار شاسعة المساحات داخل المدن والمحافظات. وحتى ذلك الموعد القريب؛ سترى القوم يهرولون في كل صوب واتجاه، بحثا عن مشترين بأي سعر (آني) يقلص خسائر انخفاض تلك الأرباح المضاعفة، فلا تكن أنت الضحية الأخيرة، وكن واعيا كل الوعي، ومدركا كل الإدراك، أن خصم المحتكرين والمضاربين وسماسرة العقار في الوقت الراهن هو الدولة، وهو الخصم الذي لا قبل لهم به، مهما بلغت قوتهم ونفوذهم، وما عليك إلا أن تقتنص ثمار الإصلاحات الأخيرة كما يتوافق مع قدراتك من حيث الدخل، وكما يتوافق مع احتياجاتك المعيشية والأسرية، وللحديث بقية في كيفية التفاوض والبحث عن المسكن الذي يلائمك. والله ولي التوفيق.
إنشرها