Author

ماذا تعني قـمـة باريس للمناخ؟

|
تستضيف العاصمة الفرنسية بتاريخ 30 نوفمبر الجاري ولغاية 11 ديسمبر مؤتمر المناخ في دورته الحادية والعشرين، وهو حدث مهم ينتظر أن يختتم أعماله باتفاقية دولية جديدة تتوج مسيرة أربع سنوات من المفاوضات، عملا باتفاق ديربن لعام 2011. ويعد اجتماع باريس الجولة الرابعة من المحاولات الأممية التي تهدف إلى التوصل إلى اتفاق جاد للحد من تداعيات ظاهرة التغير المناخي التي تهدد سكان الأرض، حيث فشلت جميع الاتفاقيات السابقة على مدى ثلاث وعشرين سنة منذ تأسيس الاتفاقية الإطارية للتغير المناخي عام 1990 في إيجاد حلول عملية للقضاء على تلك الظاهرة، التي تهدف بشكل رئيس إلى كبح ارتفاع درجات الحرارة العالمية بحيث لا يتجاوز درجتين مئويتين بنهاية القرن، وهو الأمر الذي ينذر بتغيرات مناخية كارثية تشمل ارتفاع مستوى مياه البحار وزيادة الجفاف وتقلص مخزون الغذاء العالمي، وغيرها. ويمكن وصف اتفاقيات المناخ عموما بأنها من أكثر الاتفاقيات الدولية تعقيدا، وذلك بسبب نمط التفاوض المتعدد الأطراف "يشمل 196 دولة" المتبع في تلك الاتفاقيات حيث يشترط التوافق والإجماع بين الأطراف كافة حتى يتسنى قبول الاتفاق والمصادقة عليه. وفي اجتماع باريس فإن التوصل إلى اتفاقية دولية مرتبط بنجاح عملية التفاوض والخروج بحلول يرضى بها جميع الوفود المشاركة. وقد أرسى اتفاق ديربن القواعد والخطوط العريضة لشكل اتفاقية باريس المنتظرة، ومن أبرزها أن تتعهد الدول بالإعلان عن نواياها وإسهاماتها نحو الالتزام الشامل المنشود. وبالفعل قدمت جميع الدول خلال الأسابيع الماضية لأمانة المؤتمر ما يعرف بوثيقة "المساهمة الوطنية لمكافحة تغير المناخ" INDC، وكانت المملكة من ضمنها. واشتملت تلك الوثائق على معلومات مهمة شرحت كيفية مشاركتها بالجهود الدولية في كبح الآثار الوخيمة للتغير المناخي. كما نص اتفاق ديربن على ضرورة أن يكون اتفاق باريس ملزما قانونيا للأطراف كافة دون تمييز. ويسمح هذا الشرط للدول بإبرام اتفاقية دولية تسري عليها أحكام معاهدة فيينا لقانون الاتفاقيات الدولية "ذات الطابع الملزم". ولا يعني ذلك بالضرورة أن جميع بنود اتفاق باريس المرتقب سيكون ملزم التنفيذ حيث إن الشكل القانوني الذي ستتخذه وثائق INDC سيتحدد من خلال تفاصيل الاتفاق الجديد. بمعنى أن الوثائق الوطنية المقدمة غير ملزمة بحد ذاتها. كذلك اشترط اتفاق ديربن أن يتماشى اتفاق باريس مع الاتفاقية الإطارية للمناخ 1990، وهذا الاشتراط يحتمل عدة تفاسير، ولكن ما يهم هو ألا يتعارض الاتفاق الجديد مع المبادئ الأساسية للاتفاقية الأم. وقد بدأت الدبلوماسية الفرنسية النشطة تحركاتها منذ عدة سنوات ونجحت في تغيير ديناميكية عملية التفاوض المعقدة، بما في ذلك تغيير خطة المؤتمر المقبل الذي سيبدأ أعماله بوصول زعماء الدول في اليوم الأول من المؤتمر على خلاف البروتوكول المعتاد، حيث يصل الزعماء في النهاية. ويشير هذا التغيير إلى احتمال سعي الاتحاد الأوروبي الحثيث إلى تمرير ورقة عمل معدة مسبقا ترسم مبادئ الاتفاق الجديد بعد اعتمادها من قبل الزعماء. على أن يعكف المشاركون بالعمل على مناقشة هذه الخطة إلى أن يتم التوصل إلى اتفاق بالإجماع يعلن في ساعة متأخرة من آخر يوم للمؤتمر. وللتجهيز النفسي وحشد الدعم الكامل للاتفاقية المنتظرة فقد توالت تصريحات قادة العالم عما يجب إنجازه في باريس. في الواقع لا أحسب أن يخرج مؤتمر باريس باتفاق قانوني ملزم للأطراف، ولكن قد تلتزم الدول بأن تتعهد بالإبلاغ الدوري عن جهودها بحسب ما أعلنته في وثائقها الوطنية. وبالتالي يتم الاتفاق في باريس على إطار عمل جديد ينظم تلك التعهدات وسبل مراجعتها. وتجدر الإشارة إلى أن الاتفاقية الإطارية تقصر الالتزام بمكافحة مشكلة التغير المناخي على الدول الصناعية المتقدمة، كما تلزم هذه الدول بمساعدة وتمويل الدول النامية في هذا الشأن، نظرا لمسؤولياتها التاريخية تجاه هذه المشكلة العالمية. غير أن اتفاق باريس الجديد يمهد لعهد جديد تلتزم فيه جميع الدول بلا استثناء بمكافحة التغير المناخي من خلال جهودها المعلنة، الأمر الذي يعد بحد ذاته نقلة تاريخية مهمة.
إنشرها