Author

اقتصاد السكر

|
كاتب اقتصادي [email protected]
«السكر، هو التبغ الجديد» كينثيا كينيون، عالمة بيولوجية أمريكية هذه المرة وصل "المحاربون" من أجل احتواء مرض السكري وما ينتج عنه من أمراض مرتبطة أخرى، وصلوا إلى قمة مجموعة العشرين الأخيرة في أنطاليا بتركيا. بات هؤلاء مثل مناصري البيئة و"المحاربين" أيضا من أجل بيئة أفضل ومستقبل مناخي أقل تهديدا للبشرية. وفي السنوات الماضية، تعاظم حراك المناوئين للسكر على مختلف الساحات، لكنهم لم يحققوا في الواقع إنجازات توازي ما حققه المحافظون على البيئة في العقدين الماضيين. ولعل أهم سبب في ذلك، أن "محاربي السكر"، لم يصلوا بعد إلى مرحلة تكوين كتل ضغط شعبية وسياسية في هذا المجال، لأن انطلاقهم على الساحة حديث العهد، على عكس نظرائهم البيئيين. وبالتأكيد لا توجد مقارنة بين قوة حضور مكافحي التدخين، وأولئك الذين ينطلقون من أجل عالم أقل إصابات بمرض السكري. غير أن هذا لا يعني أنهم لا يحققون ضربات لافتة في هذا الشأن، ولاسيما استهدافهم لقمة العشرين الأخيرة، من أجل تبني السياسات الخاصة بخفض أعداد المصابين بمرض السكري، لأسباب صحية واقتصادية أيضا. واستعان هؤلاء بأعداد كبيرة من الخبراء الذين يحظون بسمعة طيبة على الساحة الدولية، الذين أعادوا قراءة "المشهد السكري العالمي" من منظور مستقبلي، واستندوا بالطبع إلى مجموعة رصينة من الإحصائيات والدراسات التي جرت في غالبية بلدان العالم حول هذا المرض والمصابين به. المسألة ليست صحية كما تبدو فقط ولكنها اقتصادية أيضا. بل يمكن للجانب الاقتصادي منها أن يكون حافزا، بل آلية حقيقية، لتحقيق الأهداف المرجوة بهذا الخصوص. الخسائر المالية كبيرة، وكذلك الخسائر البشرية. تستهدف الجهات التي تحارب مرض السكري الحكومات من أجل التفكير جديا بفرض ضرائب على مادة السكر والمنتجات المرتبطة بها، التي تكاد لا تحصى في مجال الطعام والسوائل. وهي بذلك لا تخترع شيئا جديدا، بل تستعير الحالة الضريبية التي تفرض على التبغ والسجائر. ففي غالبية بلدان العالم تقوم الحكومات برفع سنوي للضرائب على التبغ، إلى درجة ارتفع فيها سعر علبة السجائر المكونة من 20 سيجارة في بريطانيا من أقل من جنيه استرليني واحد إلى عشرة جنيهات استرلينية في أقل من عقدين. والأمر مشابه في غالبية البلدان المتقدمة. وقد حققت الضرائب المرتفعة على التبغ كثيرا من الأهداف، بما في ذلك خفض عدد المدخنين في البلدان المشار إليها بمعدلات كبيرة. وتطرح منذ سنوات اقتراحات لفرض ضرائب عالية على الأطعمة السريعة التي أثبتت أن أضرارها لا حدود لها على الصحة العامة. وهي نفسها تساهم في ارتفاع حالات الإصابة بمرض السكري. ووفق هذا التوجه، يمكن أن تتحقق أهداف عدة، خصوصا إذا ما علمنا أن السكري يقتل شخصا واحدا كل ست ثوان حول العالم، وأن عدد ضحايا المرض الآن، يفوق ضحايا أمراض الإيدز والسل والملاريا مجتمعة. ووفق الاتحاد الدولي للسكري الذي يضم أكثر من 250 جمعية محلية، أوصلت صوتها إلى مجموعة العشرين، فإنه بحلول عام 2040 سيكون هناك شخص مصاب بالسكري من بين كل عشرة بالغين في العالم، مع توقع أن يصل عدد حالات الإصابة بالمرض إلى 642 مليونا، مقارنة بـ 415 مليونا في 2015، وأن يرتفع إنفاق الرعاية الصحية على المرض إلى 802 مليار دولار من 673 مليارا. وتبدو هذه الأرقام "فلكية"، لكنها في الواقع حقيقية. فالأموال التي تنفق حاليا على علاج مرضى السكري تكفي لإنشاء اقتصاد يفوق حجمه اقتصادات عشرات البلدان. وما يسعى إليه الاتحاد الدولي للسكري، هو خفض ضحايا هذا المرض وفي الوقت نفسه خفض ميزانيات الرعاية الصحية الخاصة به. دون أن ننسى، أن البلدان العربية تتصدر قائمة الدول الأكثر إصابة بالمرض المذكور، ولاسيما بلدان الخليج. فالسعودية تحتل المركز الثاني عالميا، وتأتي الكويت في المركز الرابع، والبحرين الخامس، وقطر الثامن، والإمارات التاسع. بينما تحتل سلطنة عمان المركز الـ 21. وتسبقها مصر في المركز الـ 13، ولبنان الـ 18! إنها مراكز متقدمة في قائمة مخيفة على المديين الآني والمقبل. وعلينا أن نتخيل أيضا، حجم الإنفاق في هذه الدول على العلاج. ترى جهات صحية عالمية، أن أخطار السكر ليست أقل من أخطار التدخين. بل إن البعض شبهه بـ "التبغ الجديد". وليس أمام الحكومات إلا الاستماع لما تقوله المؤسسات المهتمة بمكافحة مرض السكري حول العالم. خصوصا أن الإصابة بهذا المرض لم تعد حكرا على الكبار، بل تشمل الصغار أيضا، الذين يكتسبونه من جراء سلوكياتهم الغذائية السيئة. ومما لا شك فيه أن فرض ضرائب على استهلاك السكر، سيعزز الخطوات الرامية للحد من انتشار المرض وخفض الإصابات به. لا توجد حلول أخرى، بعد أن فشلت عمليا كل حملات التوعية التي تبنتها الحكومات والمؤسسات المستقلة بهذا الخصوص. فاستهلاك السكر (ولاسيما) في أوساط الأطفال، لم ينخفض في الواقع، بل يشهد ارتفاعا مخيفا، يقود تلقائيا إلى إصابات أجيال بمرض اسمه حلو، لكنه مر البلاء.
إنشرها