Author

إشكالية تضخم الإيجارات

|
يعتبر تأمين المأوى من أهم احتياجات البشر الأساسية، وتبذل الأسر قصارى جهدها لتملك سكن يتناسب مع إمكانياتها. ويحول تدني دخول وثروات الأسر محدودة الدخل والشابة والفقيرة دون تملكها لسكن، وهو ما يجبرها على الاستئجار لتأمين المأوى. وتدفع هذه الأسر مبالغ كبيرة مقارنة بدخلها، حيث تستحوذ الإيجارات على نسب مرتفعة من مواردها، وتمثل عبئاً ثقيلاً على ميزانياتها. وتتجاوز تكاليف السكن خُمس دخول الأسر في المملكة، ولكن هذه النسبة ترتفع بالنسبة للمستأجرين خصوصاً ذوي الدخل المحدود والشباب والفقراء، وقد تصل إلى نصف دخول البعض منهم أو تتجاوزه في بعض الحالات. وترتفع هذه النسب أيضاً مع أماكن وجود هذه الشرائح السكانية، فهناك مناطق ومدن مرتفعة التكاليف مقارنةً بمناطق أخرى. ويقود ارتفاع تكاليف الإيجارات إلى تضحية الأسر بنوعية السكن، وزيادة المناطق العشوائية وبيوت الصفيح والعشاش. ويفاقم تضخم الإيجارات من تكاليفها ما يخفض من دخول المستأجرين الحقيقية مع مرور الزمن. وترتفع معاناة الأسر المستأجرة إذا لم ترتفع دخولها بنسب لا تقل عن ارتفاع تكاليف الإيجارات، حيث تتزايد نسب المبالغ المخصصة للإيجارات من دخولها. وتعتبر الإيجارات المصدر الرئيس لارتفاع تكاليف المعيشة بالنسبة للمستأجرين. وتشير بيانات مصلحة الإحصاءات العامة إلى زيادات كبيرة في تكاليف الإيجارات خلال السنوات القليلة الماضية. وبلغ الرقم القياسي للإيجار على مستوى المملكة 184.3 في شهر أكتوبر من عام 2015م عند استخدام 2007م كسنة أساس. وهذا يعني أن متوسط الإيجارات في المملكة ككل قد ارتفع بنسبة 84.3 في المائة مقارنةً بمتوسط الإيجارات في عام 2007م. وهذه الزيادة كبيرة مقارنةً بمعدلات تحسن الدخول لمعظم سكان المملكة. وقد ارتفعت أجور موظفي الدولة بنسبة تقارب 30 في المائة خلال الفترة الممتدة بين عام 2007م والوقت الحالي. ولا تعرف بالضبط معدلات زيادة الأجور في القطاع الخاص ولكنها لن تكون أكبر من زيادات القطاع الحكومي، بسبب ميل القطاع الخاص إلى خفض النفقات قدر المستطاع. ويعاني المستأجرون في بعض المراكز السكانية تضخم الإيجارات بنسب تفوق المعدل العام لتضخم الإيجارات في المملكة. فقد ارتفعت الإيجارات في مدينة الرياض بنسبة 150.6 في المائة خلال فترة السنوات الثماني الماضية. وتحتضن الرياض نسبة كبيرة من سكان المملكة تتجاوز الخُمس. وفي أقصى الجنوب الغربي من المملكة شهدت مدينة جيزان موجة ارتفاع قوية في الإيجارات وصلت إلى 144.6 في المائة منذ عام 2007م. كما ارتفعت الإيجارات في كلٍ من الدمام ونجران بنسبة 104.8 في المائة و94.6 في المائة على التوالي، وذلك لنفس الفترة. ومن المستغرب في بيانات مصلحة الإحصاءات العامة عن الإيجارات أنها لم ترتفع في جدة إلا بنسبة 58.5 في المائة خلال السنوات الثماني الماضية، وهي نسبة منخفضة مقارنةً بالمدن الأخرى، وعكس ما يشتكي منه معظم المستأجرين في جدة المشتهرة بارتفاع الإيجارات. كما لم ترتفع الإيجارات في المدينة المنورة إلا بنسبة 35.4 في المائة خلال السنوات الثماني الماضية حسب بيانات مصلحة الإحصاءات العامة. وشهدت المدينة المنورة خلال الفترة إخلاء وهدم الكثير من الأماكن السكنية بسبب برامج التوسعة والتطوير التي تشهدها. ويبدو أن تقدير مصلحة الإحصاءات العامة لمعدل ارتفاع الإيجارات في جدة والمدينة المنورة خلال السنوات الثماني الماضية منخفض. ولا توفر نشرات الإحصاءات العامة لتكاليف المعيشة المستخدمة لسنة الأساس 2007م تفاصيل تغير بنود مجموعة الإيجارات الفرعية، حيث يدخل في تكوين المجموعة الفرعية للإيجارات أربعة بنود هي: إيجارات الفلل، والشقق، والأدوار، والبيوت الشعبية. وتظهر بيانات المصلحة المنشورة والمستخدمة لسنة الأساس 1999م بندين مكونين لمجموعة الإيجارات الفرعية وهما: إيجارات الشقق، والفلل. وتؤكد هذه البيانات حدوث ارتفاع حاد في تكاليف الإيجارات بوجه عام والشقق بوجه خاص. وتميل الأسر محدودة الدخل والفقيرة والشابة لاستئجار الشقق، ولهذا ينبغي التركيز على تضخم إيجارات الشقق لتأثيراتها السلبية في معيشة الفقراء ومحدودي الدخل والشباب. وشهدت الفترة الممتدة بين نهاية عام 2006م وبداية عام 2013م زيادات قوية في الإيجارات حسب بيانات مصلحة الإحصاءات المستخدمة لسنة الأساس 1999م. وقد ارتفعت الإيجارات بوجه عام على مستوى المملكة بنسبة 105 في المائة في تلك الفترة، ولكنها ارتفعت بالنسبة للشقق بنسبة تصل إلى 140 في المائة. وإذا أضيفت فترة العامين الماضيين فإن ارتفاع إيجارات الشقق في المملكة قد يصل أو يتجاوز 160 في المائة خلال فترة السنوات العشر الماضية. ومن المؤكد أن هذه النسبة قد تسببت في تدهور محسوس للحالة المعيشة للعائلات الفقيرة والشابة ومحدودة الدخل التي تسكن مساكن مستأجرة خلال هذه الفترة. ولا يعرف بالضبط حجم الشرائح السكانية الشابة ومحدودة الدخل والفقيرة التي تقطن بالإيجار، ولكنها كبيرة. ولا يخفى على أحد أن تمكين العائلات الفقيرة ومحدودة الدخل والشابة من تملك المنازل من أفضل وسائل محاربة الفقر ورفع المستوى المعيشي للشباب والفقراء ومحدودي الدخل. وإذا لم نستطع تأمين سكن للفقراء والشباب فعلى الأقل ينبغي الحد من تضخم تكاليف السكن من خلال تحفيز زيادة عرض المساكن.
إنشرها