Author

رأي اقتصادي في وزارة الإسكان

|
مستشار اقتصادي
منذ سبع سنوات والكثير يعول على وزارة الإسكان ودورها المفترض في حل إشكالية الإسكان. الرأي الشعبي أن هناك إشكالية والرأي المهني قد يختلف في جزئية ويتفق مع أخرى خاصة أنه يسيطر على الكثير النواحي الشعبية وإسقاطها التوزيعي أحيانا على حساب الحقائق الاقتصادية. بعد زيادة رأسمال الصندوق العقاري والمرونة الإجرائية في تملك الأرض بغرض القرض وقيام شركات تمويل أكثر استعدادا، حصل تقدم في توفير السكن مقارنة بالماضي وبكثير من الدول. إذا قبلنا ضمنيا أن إدارة مرفق الأراضي تقع تحت مظلة وزارة البلديات. أسعار الأراضي عامل مانع نظرا لأنها جزء كبير من التكلفة مقارنة بالدول الأكثر تطورا، ولكن دور الأراضي عرضي على الرغم من أهميته. إدارة مرفق الأراضي أوسع وأشمل، تبدأ من الحصول على موقف للسيارة إلى أنظمة الحكم المحلي. الجزء الأكبر من الإشكالية أن الدخل للكثير لا يستطيع مواكبة تكلفة اقتناء منزل، فمثلا يكلف المنزل الوسيط في أمريكا دخل نحو ثلاثة أعوام بينما لدينا يكلف دخل نحو عشرة أعوام. الجزئية الثالثة أن السكن في أغلب الدول لابد أن يكون مدعوما بطرق مختلفة في علاقة واضحة مع جزئية الدخل. في ظل هذه الجزيئات يتضح أن دور الوزارة أصبح محدودا. للوزارة دور في المعايير ودراسة أفضل السبل للدعم، ولكن التعويل على الوزارة لحل كل المسائل المتعلقة بالإسكان فيه مبالغة ولذلك أصبحت تتحمل لوما مبرر وغير مبرر في غالبه. لابد من القول إن القطاع الخاص كما يعرف المصرفيون وتجار مواد البناء أن قطاع المقاولات الخاص كان وما زال نشطا في قطاع إنشاء المنازل منذ نهاية التسعينات من القرن الماضي. لذلك هناك عمل ونجاح دون الوزارة أو على الرغم من أنصاف المحاولات. اطلعت على إحصائية صادرة من مركز الإحصاءات العامة لعام 2010 حول نسب ملكية المنازل في عدد من المدن السعودية وجاءت كالتالي: الباحة (78.9 في المائة)، سكاكا (75.4)، حائل (72.8)، نجران (72.7)، بريدة (67.7)، جازان (66.9)، الأحساء (66.1)، أبها (61.8)، الطائف (55)، المدينة المنورة (55)، مكة المكرمة (54.5)، الرياض (48.3)، جدة (42.6)، والدمام (42.4). نظرة سريعة ترشدنا إلى أن نسبة الملكية ليست سيئة أبدا مقارنة بكثير من الدول، فمثلا نسبة التملك في أمريكا قريبة من 65 في المائة، وتصل في الغالب إلى 70 في المائة في أغلب الدول. الملاحظة الأخرى أن هناك قسمين، الأول أن المدن الأصغر بداية من الباحة وحتى أبها البهية تصل فيها النسبة إلى أعلى من 66 في المائة، بينما من الطائف إلى الدمام من 61.8 إلى 42.4 في الدمام. تتميز المدن الكبيرة بأن نسبة الوافدين أكبر نظرا للأهمية الاقتصادية والهجرة الاقتصادية من الأرياف والمدن الأصغر التي ليست في القائمة. لابد من ذكر أن الإحصائية قديمة نسبيا ولذلك قد تكون تحسنت بسبب حداثة التغيرات التي ذكرنا أعلاه. كما يلاحظ أن حجم العائلة السعودية أكثر عددا من العائلة الغربية ما يجعل المقارنة تصب في مصلحتنا. القرض التي تقدمه الحكومة حجما ونسبة السماح أفضل من التسهيلات المتوافرة في الدول المتقدمة، ولكنه لا يمكن أن يعوض الاختلاف في الدخل لنحو 25 في المائة من العوائل السعودية التي لم تستطع اقتناء منزل في المدن الكبيرة والمتوسطة حيث معادلة الدخل لا تمكنهم. لابد أيضا من قبول حقيقة أخرى أن التجارب المالية في العالم تدل على أنه لا يمكن أن يملك الكل في كل مرحلة وكل مدينة لأسباب كثيرة منها الاختياري إلى السلوكي. بل إن هناك مخاطر مالية في المبالغة في التملك إذا استبعدنا النواحي العاطفية والشعبية التي تعتمد على التوزيع وليس التنمية للتعامل مع القضايا الاقتصادية كما أثبتت تجربة الأزمة المالية العالمية قبل عدة سنوات. إحدى الإشكاليات أن المفهوم الطبطباوي الذي ساعدت الحكومة في تكريسه على مدى جيلين يدعو إلى أن تقوم الحكومة بكل شيء وبالتالي الجميع ينظر إلى الوزارة لتقديم حل شامل غير واقعي. ليس هناك بلد بحجم مؤثر يملك أكثر من 60 - 75 في المائة بطريقة مستدامة (تختلف النسب لأسباب كثيرة) من العائلات مسكن خاص دون ضغط على مؤسسات التمويل والحكومة. ثقافة التشكي أصبحت سلوكا وجزءا من المرض الاقتصادي. وجود وزارة لكل نشاط خدمي أو إنتاجي دائما مكان تساؤل تزيد وتنقص حسب الظروف المالية والإدارية والتفاعل المجتمعي وتوجهات السياسة العامة. ما قد يكون مناسبا لمرحلة معينه قد لا يناسب أخرى. تجربة المملكة مع وزارة الإسكان تخضع لهذا التجاذب وسبقتها وزارة الأشغال العامة وقد تلحق بها وزارة الإعلام. "كود البناء" للإسكان مثل تصنيف المقاولين لوزارة الأشغال. الناحية الرقابية قد تكون أكثر أهمية من وزارة يصعب تحديد مهماتها. وضوح المهمة ودرجة استقلاليتها يحددان مدى الحاجة للوزارة من عدمها وليس التفاعل مع حالة طارئة على معادلة العرض أو معادلة الطلب. لا أستطيع الجزم بمدى الحاجة للوزارة من عدمه، لكن تجربة السنوات الماضية تقول العكس. علينا إعادة النظر من خلال المعيار الاقتصادي التنموي الذي يبدأ بتحديد المهام وفيما إذا القطاع قادر على المواصلة دون وزارة، وتفعيل الدور الرقابي على "كود البناء"، والنظر في تكلفة جهاز الوزارة المادية والاعتبارية مقابل المردود الوطني.
إنشرها