Author

الحق مع وزير الإسكان أم الناس؟

|
كبير الاقتصاديين في وزارة المالية سابقا
تناقلت الهواتف الذكية تصريح وزير الإسكان حول مسؤولية فكرنا أو بالأحرى ثقافتنا الإسكانية عما نعانيه إسكانيا. ما أخذ على الوزير في تصريحه أنه نفى في بداية حديثة أن تكون لدينا مشكلة موارد. لدينا ولدى كل مجتمع مشكلة موارد، هذه من أبجديات علم الاقتصاد. أهم فرق بين المجتمعات هو في كيفية تصرفها بما لديها من موارد. كل الناس تقريبا تعرف أن لدينا مشكلة كبرى تتمثل في أراض شاسعة داخل النطاقات العمرانية، محتكرة (بمعنى محبوسة، وليس بمعنى أن المالك واحد أو قلة قليلة) منذ عشرات السنين. الحبس (سواء كان عمدا أو لا مبالاة) ذاته لا يكلف مالك الأرض شيئا، فكيف إذا أضيف إليه توقع ارتفاع سعر الأرض مستقبلا. وهذا ما حصل. كيف؟ ارتفع الدخل القومي بقوة خلال السنوات (2005 – 2013) نتيجة ارتفاع أسعار النفط، وتبعا لهذا الارتفاع زادت السيولة بشدة في الاقتصاد، ومن ثم ارتفع الطلب على الأراضي بقوة بطريقة مباشرة وغير مباشرة، لكنه اصطدم بالعائق الذي تحدثت عنه في الفقرة السابقة، وهو عائق موجود من قبل ارتفاع الدخل، ونتج عن هذا الاصطدام ارتفاع أسعار الأراضي كثيرا. لو أن ارتفاع الدخل القوي الذي حصل كان دون وجود احتكار أو العكس، لو كان ارتفاع الدخل معتدلا (أي ليس قويا) مع وجود الاحتكار كما هو، فماذا كان سيحصل؟ سترتفع الأسعار نتيجة زيادة السكان وارتفاع التكاليف في حدود معدلات التضخم العادية، أي أنه سيكون ارتفاعا أقل كثيرا مما حصل، سيكون في المتوسط مثلا 70 في المائة بدلا من مثلا 300 في المائة. حبس كل السلع الأخرى تقريبا مكلف، ما يفرض على التاجر تصريفها بما يراه من طريقة كعمل تخفيضات عليها. لذا كان رأي جمهور الاقتصاديين في العالم أن فرض رسوم على قيمة الأرض يجعل الحبس مكلفا، يفرض على صاحبها البحث عن مخرج غير الحبس. يجب أن تكون الرسوم مهنية وعادلة قدر الإمكان، أي أنها ليست منخفضة دون اللازم بما يضعف تأثيرها كثيرا أو مرتفعة فوق اللازم بما يضر بالاستثمار العقاري. ما اطلعت عليه من دراسات رصينة تدل غالبا على معدل رسوم لا يقل عن 1 في المائة ولا يزيد على 2.5 في المائة أي معدل الزكاة. وتأثير الرسوم لوحدها على المستوى العام لأسعار الأراضي أنها تخفضها بما يراوح بين 10 و 30 في المائة مقارنة بعدم وجود الرسوم. طبعا قد ترتفع أو تنخفض أسعار الأراضي لعوامل أخرى، كالموقع ودرجة التطوير وارتفاع الدخل وغيرها. حسنا، فهمنا جانب الأرض، ماذا بشأن ثقافتنا في السكن؟ هل هي إحدى مسببات مشكلة الإسكان في بلادنا؟ الجواب نعم، ويجب أن يفهم أن هذا لا ينفي وجود أسباب أخرى. لماذا؟ لنتفق أولا على أساس للمناقشة. الأساس وجود سوق للإسكان متاحة فيها وحدات سكنية ملائمة أو لائقة يستطيع غالبية الناس تملكها. والحق أن هذا الكلام ليس خاصا بالمسكن، بل ينطبق على عموم السلع، ويهمنا هنا الأساسية منها: أي أن تتوافر السلع الأساسية لعموم أو غالبية الناس بجودة مناسبة وأسعار في متناولهم. وإذا حصل اختلال في الوفرة تظهر المشكلة. هل الوحدات السكنية (بالوضع القائم الآن) متاحة بإيجارات أو أسعار ضمن قدرات أكثر الناس؟ الجواب بكل وضوح لا، حيث الإيجارات أو أقساط المصارف تلتهم نسبة كبيرة (كالنصف أو أكثر) من دخولهم. والكلام عن الغالبية التي تقل دخولها الشهرية عن 15 ألف ريال. كما أنها سبب رئيس من أسباب تأخر كثير من شبابنا عن الزواج. ما السبب؟ لنركز على ثلاثة عناصر: 1- تكلفة المتر المربع من الأرض، و2- مساحة الأرض، و3- مسطحات البناء. هناك عنصر رابع وهو تكلفة المتر من البناء، لكنه خارج نطاق النقاش هنا. العناصر الثلاثة السابقة مرتفعة، ويجب العمل على خفضها كلها حتى تصبح أسعار الوحدات السكنية في مقدور غالبية الناس. خفض تكلفة المتر المربع من الأرض وحده سيخفف المشكلة لكنه لن يحلها، إلا إذا كان الخفض عاليا جدا. ولكن الخفض العالي جدا غير وارد. لماذا القول إن العنصرين الباقيين مساحات الأراضي ومساحات البناء مرتفعان؟ هي أكبر كثيرا مما هو موجود في غالبية الدول الأخرى، وكثير منها بالغة الثراء. وهو وضع ساهمت في ترسيخه ظروف طفرة السبعينيات من القرن الميلادي الماضي، حيث عدد السكان آنذاك ربع عددهم الآن، وأسعار الأراضي منخفضة كثيرا، وقرض الصندوق يحصل عليه في غضون أسابيع، ويغطي وحده كل أو معظم تكلفة البناء. طبعا لا أنكر كون متوسط عدد أفراد الأسرة عندنا أكثر من متوسط عددها في دول الغرب أو الشرق. ناقشت استراتيجية الإسكان هذه الجزئية، وقالت بلغة صريحة إنها أحد أسباب المشكلة. وتبعا، انتقدت الاستراتيجية مساحة و/أو مسطحات مساكن وزارة الإسكان. وتدقيقا، انتقدت المعايير الحالية للحدود الدنيا للأمتار المربّعة للإسكان المقدّم من قبل الحكومة، والبالغ 250 م2، بأنه يتجاوز المعايير الدولية التي تراوح في غالبية الدول بين 70 و180 م2. وزيادة في التوضيح، في ماليزيا مثلا، التي يحب البعض ضرب المثل بها، متوسط مسطحات الفيلا الماليزية من دورين وثلاث غرف نوم قرابة 170 م2 (المصدر مواقع ماليزية). الأرضي فيه مطبخ 15 م2 وصالة جلوس وطعام 27 م2 وحمام 6 م2، ومدخل سيارة 20 م2. والدور الأول (العلوي) فيه عدد 2 غرفة نوم كل واحدة 16 م2 وغرفة نوم رئيسة 20 م2 وحمامان كل حمام 5 م2. طبعا الأرقام كلها تقريببة. أما مساحة الأرض ففي حدود 160 م2، وعرض الارتداد من كل جهة من جهات الجيران قرابة متر ونصف. الخلاصة أن الواقع يقول إن الدعم الحكومي للإسكان بالكاد يكفي العوائل الفقيرة، أما غيرهم فعليهم الانتظار عشرات السنين حتى يصلهم الدور. ولذا فإن تمكين غالبية الناس من تملك مساكنهم بأقساط مصرفية لا تتجاوز ثلث الراتب يتطلب تخفيض العناصر الثلاثة: سعر متر الأرض والمتوسط العام لمساحات الأراضي السكنية والمتوسط العام لمسطحات المباني السكنية بحيث تكون مقاربة لما هو موجود في دول العالم الأخرى ذات الدخل فوق المتوسط. من دون هذا الخفض، فإن تملك غالبية المواطنين يبقى مجرد حلم.
إنشرها