Author

مؤتمرات الاستدامة .. هل الكلام من فضة حقا؟

|
لا يكاد يمر يوم إلا وتأتي دعوة لمؤتمر أو منتدى أو حوار حول الاستدامة، لدرجة تشعر معها أن هذا الملف بات الأهم في خريطة الاهتمام المحلي. حقا، قد تكون المؤتمرات أو المنتديات وورش العمل المتخصصة وجهتك المثالية إذا كنت مهتما بأي جانب من جوانب الاستدامة ابتداء من الإنسان إلى الاقتصاد الأخضر والبيئة، حيث تمكنك من الإطلاع على آخر الأبحاث والاستراتيجيات ذات العلاقة أو تعميق فهمك للاستدامة، وتبادل الآراء مع آخرين يتشاركون الاهتمام ذاته، والتعرف على أحدث التطورات في ممارسات الشركات في هذا الإطار. إلا أنه في المقابل، إذا ما قادتك "الصدفة المحضة" إلى حضور مؤتمراتنا التي تناقش "الاستدامة"، فإنك ستخرج خالي الوفاض إلا من ترديد مقولة الفيلسوف اليوناني سقراط: "دع الذي يريد أن يحرك العالم أن يحرك نفسه أولا"! ورغم أن الواقع يشير إلى تصدر مؤتمرات الاستدامة موقعا مهما على خريطة الحوارات والمنتديات الاقتصادية العالمية، من واقع دورها الذي تلعبه في إيجاد موارد جديدة، وتحسين المجتمعات وإعادة تقييم القطاعات الاقتصادية وطرح أهم المبادرات القيادية والنظريات التي تغير وجه ممارسات الاستدامة حول العالم.. إلا أنها على الصعيد المحلي، ورغم مرور قرابة عشر سنوات على طرح أول ورقة عمل مختصة بالاستدامة والمسؤولية الاجتماعية في أحد الملتقيات الاقتصادية المهمة في السعودية، إلا أن مؤتمراتنا لا هوية لها ويكاد لا يخرج دورها عن إطاري "رجع الصدى" و"الجعجعة بلا طحن". المشكلة أننا نحاول قفز المراحل حين نتحدث في الاستراتيجيات ونغفل أهمية صناعة الوعي في تأسيس بنية المجتمعات القادرة على التعاطي مع قضايا بيئية وتنموية عميقة. المثير للسخرية أن بعض الجهات التي تستعرض تجاربها "المسؤولة" في هذه المؤتمرات، تمارس "اللامسؤولية" تجاه البيئة والإنسان متصدرة عناوين الصحف اليومية في انتهاك حقوق العمال أو قضايا الشفافية والحوكمة أو تمارس علنا "الغسيل الأخضر"، ومؤشرات القياس معطلة، أضف إلى ذلك قد تجد أن أهم أوراق العمل "يكسوها الغبار"، لذا لا تتعجب حين تقرأ عن ورقة عمل تناقش تعريف المسؤولية الاجتماعية حتى الآن! إن الحكم على محدودية فاعلية مؤتمرات الاستدامة في بلادنا ليس "ضربا في الودع" بل من واقع الأرقام التي تشير إلى خلل كبير في معالجة التحديات التنموية، فلا تزال فئة الشباب الأكثر تضررا من البطالة، فيما تصل البطالة بين الإناث إلى 32 في المائة. والمملكة تصنف خامسا عالميا كأعلى نسب تلوث الهواء، وتضارب الأرقام حول نسبة الفقر، وحتى اليوم لا وجود لأي شركة محلية في مؤشر داو جونز للاستدامة!، وهو المؤشر الذي يمثل أهمية عالية وعالمية، بينما نطير ونفرح ببعض المؤشرات التي لا تمثل قيمة مهمة لمجرد أنها وضعتنا في ترتيب متقدم دون أن نعرف كيف ولماذا؟! شخصيا، أتصور أن توفير الطاقة والأوراق في تلك المؤتمرات بالتقليل منها هو الأفضل، لحين الخروج بتشريعات وقوانين يمكنها جعل القطاع الخاص شريكا ومسؤولا عن الاستدامة، وأن المسألة وسط هذه التحديات الكبرى التي تواجه الحكومة، لم تعد تحتمل حملات العلاقات العامة التي تنفذها الشركات تحت رداء "المسؤولية الاجتماعية" وأن الوقت حان لمحاسبة الشركات المدرجة في سوق الأسهم والشركات العالمية التي لها وكلاء في السعودية كمرحلة أولية على دورها المستدام في أعمالها التشغيلية والاستثمارية مقابل منحها التسهيلات الإجرائية من الجانب الحكومي. اليوم نحن بحاجة لأن نعمل أكثر مما نتحدث، وأنه ليس الكلام من فضة والسكوت من ذهب، بل "الاستدامة من ذهب ورخاء ورفاه أيضا" متى استطعنا الوصول لكلمة السر التي سبقتنا لمعرفتها دول أخرى متقدمة.
إنشرها