Author

الرسوم على الأراضي محفز للاقتصاد الوطني

|
عضو جمعية الاقتصاد السعودية
لن يتوقف أثر بدء العمل بالرسوم على الأراضي البيضاء داخل النطاق العمراني للمدن والمحافظات والمراكز، عند مجرد خفض أسعار الأراضي من خلال تحريرها بصورة أكبر من سيطرة الاحتكار، والمساهمة من خلال زيادة المعروض منها بما يوائم حالة الطلب الكبيرة لأفراد المجتمع، ولكن بأسعار عادلة ومقبولة، والدخول فعليا في مرحلة زمنية مشاهدة على أرض الواقع، تظهر خروج الاقتصاد والمجتمع من ضغوط هذه الأزمة التنموية، والانتقال إلى منطقة لا تواجه أو تعانيها بلادنا من آثارها الجسيمة. أؤكد أنه وفقا لدراسة وتشخيص أسباب هذه الأزمة المفتعلة من الأصل، أن الآثار الإيجابية لتطبيق الرسوم على الأراضي لن تتوقف عند ما تقدم ذكره باختصار! بل ستتخطاه إلى ما هو أبعد من كل ذلك بمساحات واسعة جدا، أحاول هنا التطرق بتركيز قدر الإمكان إلى عدد من أهم آثارها الإيجابية على كل من أداء الاقتصاد الوطني ومستوى معيشة أفراد المجتمع، وهو ما يؤكد لصانع القرار الأهمية القصوى لسرعة إقرار الرسوم على الأراضي بصورة شاملة وحازمة، دون أية استثناءات ممكنة لمختلف مدن ومحافظات البلاد. سبق أن استعرضت في أكثر من مقال جذور هذه الأزمة التنموية، والآثار السلبية التي ترتبت عليها، وكان من أهمها وأكثرها ضررا هو التسبب في ارتفاع تكلفة المعيشة على الأفراد من جانب، ومن جانب آخر التسبب أيضا في ارتفاع تكلفة الإنتاج والتشغيل على القطاع الخاص، وانخفاض درجة تنافسية منشآته في الأسواق الخارجية، عدا امتداد تلك الآثار للحد من قدرة منشآت القطاع الخاص على التوسع، والنجاح في زيادة إسهاماته في القيمة المضافة للاقتصاد "النمو الاقتصادي"، إضافة إلى تقلص قدرته على إيجاد فرص العمل المجدية أمام عشرات الآلاف من الشباب والشابات من المواطنين الباحثين عنها، وتمخض كل تلك المعوقات والتحديات في مجملها عن خفض مستويات التنمية المستدامة لأفراد المجتمع، وزيادة تباين الدخل بين شرائحه الاجتماعية "قلة تتمتع بثراء عال جدا، مقابل أكثرية تعاني محدودية الدخل"، إضافة إلى إضعاف قدرة الاقتصاد الوطني على مستوى تنوع قاعدته الإنتاجية، وإبقائه مستسلما لتقلبات أسعار النفط في الأسواق العالمية "نسبة التنوع الإنتاجي أدنى من 12 في المائة"، عدا ضعف قدرة الاقتصاد على إيجاد الوظائف المناسبة، وما يترتب عليه من زيادة معدلات البطالة، وكل هذا في مجمله يضاعف من حجم الأعباء والضغوط على الميزانية العامة للدولة، الذي سيزداد نتيجة لما تقدم من تطورات بالغة التعقيد الاعتماد على الإنفاق الحكومي بصورة أكبر لأجل دعم الاقتصاد، عوضا عما لو أن السياسات الاقتصادية المختلفة نجحت في المضي قدما بالقاعدة الإنتاجية نحو تنوع أكبر، لتقوم هي بدور دعم الأداء الاقتصادي، وهو على العكس تماما مما يجري على أرض الواقع في الوقت الراهن! لهذا؛ يتوقع مع بدء فرض الرسوم على الأراضي أن تختلف كثيرا تحركات السيولة المحلية، وباشتراط أن يتم مقابلتها بكثير من المحفزات وخفض الإجراءات البيروقراطية، أن تبدأ تلك الثروات الهائلة جدا بالدخول في تأسيس كثير من المشروعات الإنتاجية والخدماتية العملاقة والمتوسطة الحجم، وهذا هو البديل الاقتصادي الذي تسبب فقدانه أو ضعف وجوده طوال العقود الماضية، في زيادة تركز الثروات والأموال الوطنية على أسواق ضيقة كسوق الأسهم أو المتاجرة في الأراضي، دون أية انعكاسات إيجابية لتدوير تلك الأموال الهائلة الحجم على القيمة المضافة للاقتصاد "النمو الاقتصادي". إن الاقتصاد الوطني وهو يستقبل تلك الثروات الهائلة الخارجة من مخزونات قيمتها الراهنة المتمثلة في مجرد أراض بيضاء، ودخولها في كثير من قنوات تمويل وتأسيس مئات أو آلاف المشروعات في القطاع الخاص، والعمل وفق السياسات الاقتصادية المختلفة على زيادة توجيهها نحو نشاط الخدمات "يشمل: تجارة الجملة والمطاعم والفنادق، والنقل والاتصالات والتخزين، وخدمات المال والتأمين والعقارات وخدمات الأعمال، وخدمات جماعية وشخصية، ومنتجي الخدمات الحكومية"، بما يسهم في زيادة مساهمته في إجمالي الناتج المحلي "بلغت مساهمته 41.4 في المائة من الإجمالي بنهاية 2014"، كونه النشاط الأكثر قدرة، مقارنة بنشاطي الصناعة والزراعة على إيجاد مزيد من الوظائف وفرص العمل "يستأثر نشاط الخدمات بنحو 87.0 في من المائة من إجمالي العمالة الوطنية في سوق العمل"، وبنمو وتوسع هذا النشاط سيتحقق للاقتصاد الوطني درجة التقدم المأمولة على طريق زيادة تنويع قاعدته الإنتاجية، وفي الوقت ذاته زيادة أكبر لقدرة الاقتصاد الوطني على إيجاد الوظائف الكافية لامتصاص مخرجات التعليم العالي والفني وجزء من مخرجات التعليم العام "يبلغ المتوسط السنوي لطالبي العمل خلال الفترة من 2015 إلى 2020 أكثر من 400 ألف طالب وطالبة عمل". ومع الانخفاض المرتقب في تكاليف الإنتاج والتشغيل، واستفادة القطاع الخاص تحديدا من تراجع تكلفة الإيجارات وأثمان الأراضي والعقارات، ستصبح مسألة التوسع في النشاط الإنتاجي والخدماتي متاحة بصورة أكبر وأقل تكلفة، كل هذه التطورات وغيرها مما لا يتسع المجال لذكره هنا؛ سيسهم مستقبلا في التقدم بالاقتصاد الوطني نحو درجة أعلى من الاستقلالية عن الآثار السلبية لتقلبات أسعار النفط، والاقتراب بدرجة أكبر من عكس العلاقة الراهنة بين الميزانية العامة والاقتصاد الوطني، ليزداد اعتماد الميزانية العامة للدولة على أداء القطاع الخاص، من خلال زيادة الإيرادات غير النفطية للميزانية الحكومية "دخل الاستثمار، الرسوم المختلفة، وضرائب على الاستثمار الأجنبي"، التي لا تتجاوز في الوقت الراهن سقف 10 في المائة، وهذا هدف يمكن الوصول إلى درجة مقبولة بنهاية مسار زمني طويل الأجل بكل تأكيد، إلا أن خطوة البداية الفعلية لا يمكن أن تتحقق دون اتخاذ قرارات وإجراءات وتغييرات عميقة جدا وجريئة على السياسات الاقتصادية المعمول بها الآن! ومنها بكل تأكيد قرار الرسوم على الأراضي البيضاء داخل المدن والمحافظات والمراكز "التي تشكل بين 55.0 و60.0 في المائة من إجمالي مساحة النطاق العمراني للمدن الرئيسة في البلاد". المسألة باختصار شديد؛ أن التحولات والتطورات المرتقبة بعد تطبيق الرسوم على الأراضي، وفتح وتسهيل إجراءات بيئة الاستثمار المحلية في المقابل، وتحفيز الثروات والسيولة المحلية للدخول في تأسيس وتوسعة مشروعات القطاع الخاص، من شأنها أن تتسبب في تحقيق أكثر من هدف اقتصادي وتنموي في الوقت ذاته، وما تقدم ذكره باختصار شديد من حول بعض الآثار المتوقعة والإيجابية، ليس إلا على سبيل المثال لا الحصر! كما أن السياسات والبرامج والخطط التنموية والاقتصادية لا يمكن أن تتسم بالفعالية والجدية دون امتلاكها لأدوات قوية وحازمة، وهو ما غاب كثيرا عن السياسات الاقتصادية طوال 45 عاما الماضية من عمر خطط التنمية، وتسبب أيضا في تأخر تحقق كثير من الأهداف التنموية للاقتصاد الوطني، أبقته تحت سيطرة الاعتماد على دخل النفط، وحدت من قدرته على الاستقلالية وزيادة تنوع قاعدته الإنتاجية! وإنني أنظر في نهاية هذا الطريق المأمول نجاحه وتحققه في المستقبل، إلى أن الجميع لن يعبأ بعد كسب هذه الثمار إلى أسعار النفط، سواء ارتفعت إلى أعلى من 100 دولار أو انخفضت إلى عشرة دولارات. والله ولي التوفيق.
إنشرها