Author

إلى وزارة الإسكان ومجلس الشورى «1 من 2»

|
عضو جمعية الاقتصاد السعودية
ليس معروفا لدى أحدٍ من المهتمين؛ هل تعلم وزارة الإسكان أنها مكلفة ومسؤولة عن أهم وأثقل ملف تنموي واقتصادي واجتماعي على الإطلاق في الوقت الراهن أم لا؟ وأن أي تأخير أو انحرافٍ تجاه مسؤولياتها التنموية الجسيمة، لن يقف دفع ثمنه الفادح عند جدران مقرها المستأجر، بل سيتجاوزه إلى آخر مواطن على قيد الحياة، قد يكون هذا المواطن رجلا يدافع بكل ما لديه عن مقدرات بلادنا واقتصادها، أو رجلا وامرأة قائمين على تربية وتعليم أجيال الغد، أو رجلا وامرأة قائمين على الوفاء بمتطلبات الصحة والرعاية الطبية، أو مئات الآلاف من المواطنين والمواطنات كلٌ يقوم بدوره تجاه وطنه ومجتمعه، سواء في القطاع الحكومي أو القطاع الخاص، أو حتى عشرات الآلاف من المتقاعدين والمتقاعدات الذين لم يتمكنوا بعد من تملك مساكنهم. نكاد نكمل العقد من الزمان على نشأة هيئة الإسكان مرورا بتحولها إلى وزارة، وبالنظر إلى النتائج المتحققة على أرض الواقع، مقارنة بالأعوام الماضية، ومقارنة بتزايد احتياجات المواطنين من الإسكان، فلا شك أن تلك النتائج لا ولن يتحقق لها الرضا من أي طرفٍ كان! فكل عامٍ تتفاقم الأزمة عما كانت عليه سابقا، وها نحن نصل إلى مرحلةٍ لا أحد يشك في أنها أكثر صعوبة وتعقيدا مما كانت عليه عند تأسيس هيئة الإسكان قبل نحو عقد من الزمن! هل الأزمة الإسكانية بالغة التعقيد إلى هذه الدرجة؟ الإجابة باختصارٍ شديد (لا)، وقد أُشبعت دراسة وكشف أسبابها، واقتراح حلولها المجدية، إلى ما يفوق التخمة! إلا أن الدراسات والمقترحات التي انساقت خلفها وزارة الإسكان وبقية الجهات المعنية، لم تخرج حتى تاريخه عن الإنصات إلى تلك التي صدرت عن أطرافٍ مستفيدة بالدرجة الأولى من التشوهات القائمة في السوق العقارية والإسكان! في مقدمتها اللجان العقارية في الغرف التجارية والصناعية، ومن ينتسب إليها من شركات ومؤسسات عقارية. مؤكدا أن الحل الوحيد والأهم والأثقل وزنا في ميزان الحلول المأمولة للأزمة الإسكانية، الذي أتى من خارج هذه الدوائر المسيطرة على تشخيص وإدارة الأزمة الإسكانية، هو قرار فرض الرسوم على الأراضي البيضاء داخل المدن والمحافظات والمراكز المقترح بتوصية من مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية، وهو القرار الوحيد الذي لامس بصورةٍ مباشرة أخطر أسباب نشوء أزمة الإسكان لدينا، وما عداه من الحلول والمقترحات التي مضى على تكرارها، ولا تزال وزارة الإسكان والجهات المعنية تلوك فيها وتعجن حتى تاريخه نحو عقدٍ من الزمن، فلا أقل من شواهد إفلاسها وعجزها عن معالجة الأزمة، ما نشهده في الوقت الراهن من تفاقمها إلى درجةٍ وصلت آثارها السلبية لكل مواطن وأسرة في مجتمعنا، دون أي تقدمٍ يذكر! وفقا لكل ما تقدم، ووقوفا على ما وصلنا إليه حتى الآن من مشاهد المواجهة مع أشكال هذه الأزمة (المفتعلة) من الأصل، أرجو من القارئ الكريم إمعان السمع والنظر في آخر تصريحين حول الأزمة الإسكانية، الأول من وزارة الإسكان على لسان وزيرها، والآخر من مجلس الشورى على هيئة توصيات من لجنة الحج والإسكان والخدمات، وبعد قراءتهما بتركيز ودقة، استخلاص أهم الأسباب والحلول المتعلقة بالأزمة الإسكانية! أبدأ بتصريح وزير الإسكان الذي تقول خلاصته: إن الوزارة عازمة على وضع الحلول العملية العاجلة التي تكفل توفير السكن الملائم للمواطن، وسعيها المتواصل لبناء بذرات لتنظيم وتنسيق بيئة إسكانية متوازنة ومستدامة لنتائج يلمسها المواطن في معالجة قطاع الإسكان، وتمكين المواطن من الحصول على السكن المناسب، وفق خيارات متنوعة في جميع المناطق، من خلال استحداث وتطوير برامج لتحفيز القطاعين الخاص والعام من خلال التعاون والشراكة لتكون له نتائج إيجابية للمواطن بالمسكن والاقتصاد عامة. أما لجنة الحج والإسكان والخدمات، التي سينظر مجلس الشورى في توصياتها اليوم الإثنين، فقد اجتمعت حول: (1) مطالبة وزارة الإسكان بتقديم خططها الزمنية والمكانية والعمرانية لتوفير المنتجات السكنية للمواطنين. (2) مطالبة الوزارة بفصل قوائم الانتظار على بوابة وزارة الإسكان، بحيث يعجل الإقراض للراغبين بشراء وحدات سكنية من القطاع الخاص، ودعم البند المخصص لذلك من المبالغ المعتمدة. (3) مطالبة الوزارة بالتنسيق مع وزارة الشؤون البلدية والقروية والجهات المعنية، لإعداد التصاميم العمرانية المرنة من أجل رفع الكثافة السكانية في المدن الرئيسة، التي لا تتوافر فيها أراض مناسبة لمشروعات الإسكان. (4) دعوة الوزارة لمعالجة نقص كوادرها البشرية بإشغال الوظائف الشاغرة لديها، والتعاون مع القطاع الخاص لتوفير الخبرات التخصصية التي تحتاج إليها. ماذا يلاحظ القارئ على ما تضمنته تصريحات وتوصيات وزارة الإسكان ومجلس الشورى؟ ولأسهل المهمة هنا؛ (1) هل تطرق أي منهما إلى أساس وجوهر الأزمة الإسكانية المتمثل بتضخم أسعار الأراضي؟ الذي انتقل بدوره إلى تضخم أسعار وإيجارات الأصول العقارية باختلاف أنواعها؟ (2) هل تطرقت أي من التصريحات أو التوصيات إلى الأسباب الرئيسة والجوهرية وراء تضخم أسعار الأراضي؟ وما تلك الأسباب؟ هل هو نتيجة لاحتكار الأراضي واكتنازها داخل وحول المدن والمحافظات "كما رأته العين الفاحصة لمن أوصى بفرض الرسوم عليها"؟ أم لارتفاع وتيرة مضاربات الأموال الباحثة عن فرص استثمار، ولم تجدها إلا فيما لا تتجاوز نسبته 10.0 في المائة من تلك الأراضي البيضاء داخل وحول المدن القابلة للتداول؟ أم لكلا السببين معا؟ أم أن هناك أسبابا أخرى لم يتم التوصل إليها؟ (3) هل استطاع أي من التصريحات الوزارية أو التوصيات الشورية التفريق بين حالتين؛ هل الأزمة الإسكانية ناتجة عن نقصٍ في التمويل العقاري بالدرجة الأولى؟ أم أنها ناتجة عن التضخم السعري غير المبرر بأسعار الأراضي والعقارات، الذي فاق نموه المتسارع القدرة المجتمعة للأفراد من حيث الدخل والاقتراض؟ (4) هل الطريق المقترح من الوزارة واللجنة الشورية الممهد لفتح نوافذ التمويل العقاري على أوسع أبوابه دون قيد أو شرط، من شأنه أن يسهم في حل الأزمة الإسكانية فقط، دون أن يترتب عليه مزيد من ارتفاع وتضخم أسعار الأراضي والعقارات وتكلفة إيجاراتها، ومزيد من ارتفاع حجم المديونيات على كاهل المواطنين والمواطنات؟ أسئلة كثيرة ومحيرة لا حصر لها في سياق مواجهة أشكال وتحديات الأزمة الإسكانية الراهنة، لن يجدي الهروب منها، أو الالتفاف عليها بحلولٍ ومقترحاتٍ لا تسمن ولا تغني من جوعٍ، بل إنها تعطي الضوء الأخضر للأسباب الحقيقية التي أدت لنشوء وتفاقم هذه الأزمة للاتساع والتعمق، والتسبب في ارتفاع تكلفة معالجتها مستقبلا بما لن يكون في مقدرة أي طرفٍ من الأطراف ذات العلاقة، طاقة أو موارد مالية كافية على حلها أو حتى التكيف معها! سأستكمل الحديث عنها في الجزء الثاني من المقال، وتحديد أهم ركائز الحلول الحقيقية لا السطحية، التي يؤمل أن تحد عمليا من تفاقم أزمة الإسكان لا أن تمهد لتفاقمها أكثر مما وصلت إليه من مستوى مرتفع المخاطرة! والله ولي التوفيق.
إنشرها