Author

هل زيادة قروض الأفراد حل لأزمة الإسكان؟

|
عضو جمعية الاقتصاد السعودية
يصوت اليوم الإثنين أعضاء مجلس الشورى على مقترح يتضمن فصل قوائم الانتظار على بوابة وزارة الإسكان، والقيام بتعجيل إقراض الراغبين في شراء وحدات سكنية من القطاع الخاص، من خلال تمويلهم من القطاع المصرفي! يأتي هذا المقترح ضمن الحلول التي تعتقد كل من وزارة الإسكان وصندوق التنمية العقارية، أنه سيسهم في تخفيف حدّة أزمة الإسكان لدينا، مع عدم إغفال نية صندوق التنمية العقارية، وانعكافه في الوقت الراهن على دراسة أن يتولى هو دفع نسبة مقدم الحصول على التمويل العقاري، التي حددتها مؤسسة النقد عند 30 في المائة من إجمالي القيمة السوقية للأصل العقاري. إنها الحلول ذات الاتجاه الواحد، التي تصب فقط في خانة رفع قدرة الشراء لجانب الطلب، فيما لم نشهد جميعا أي حل يذكر حتى تاريخه فيما يتعلق بجانب العرض! وهي أيضا الحلول الأحادية التي تتهرب من المواجهة الحقيقية للأسباب الفعلية وراء اشتعال أزمة الإسكان، المتمثلة في الغلاء والتضخم الذي يغلف أثمان الأصول العقارية باختلاف أنواعها، المستمد من التضخم السعري الذي بسط نفوذه بالكامل على مساحات الأراضي البيضاء داخل المدن والمحافظات، وهي كما بينته آخر الإحصاءات الرسمية أنها تستحوذ على نحو 51.0 في المائة من إجمالي مساحات المدن الرئيسة في البلاد. أضع هنا الحقائق الكاملة حول هذا الملف أمام أعضاء مجلس الشورى على وجه الخصوص، وللعموم من صانعي القرار وأفراد المجتمع، لنكون جميعا على بينة من الأمر، قبل القبول بهذا المقترح أو رفضه، والبحث في آثار القبول به والقبول أيضا بما سيتبعه من مقترحات في ذات الاتجاه؛ التي تجتمع كلها حول زيادة القدرة الائتمانية لأجل شراء أصول عقارية متضخمة القيمة، ويوشك أن يزداد تضخمها مع كل خطوة أو إجراء يستهدف السماح بزيادة اقتراض أفراد المجتمع، دون الاهتمام بأي آثار سلبية قد تنشأ عن هذه المقترحات الأحادية الاتجاه. في البداية، كم يبلغ حجم القروض على أفراد المجتمع حتى تاريخه؟ وفقا لبيانات مؤسسة النقد العربي السعودي الأخيرة، وصل مجموع القروض المصرفية (الاستهلاكية، العقارية، وبطاقات الائتمان) حتى منتصف العام الجاري إلى 421.5 مليار ريال (25.4 في المائة من إجمالي الناتج المحلي غير النفطي 2015)، وبإضافة بقية القروض الأخرى إلى الرصيد السابق أعلاه، المتمثلة في قروض كل من صندوق التنمية العقارية والبنك السعودي للتسليف والادخار حتى منتصف العام الجاري البالغة 181.8 مليار ريال، وقروض الظل المصرفي المتمثلة في قروض شركات التقسيط والتمويل خارج القطاع المصرفي البالغة 329.7 مليار ريال (25 في المائة من إجمالي الائتمان المصرفي وفقا لتقديرات صندوق النقد الدولي)، ليصبح إجمالي القروض التي يتحملها الأفراد ما يقارب 933.0 مليار ريال (56.3 في المائة من إجمالي الناتج المحلي غير النفطي 2015). إذاً الموافقة على هذا المقترح المطروح للتصويت أمام أعضاء مجلس الشورى اليوم، تعني ما يلي: (1) السماح بزيادة المديونية على كاهل أفراد المجتمع لأعلى من الرصيد الإجمالي للقروض أعلاه 933.0 مليار ريال، وهو أيضا يحمل نفس النتيجة إذا ما سمح لصندوق التنمية العقارية أن يدفع مقدم التمويل العقاري المحدد عند 30 في المائة من إجمالي قيمة الأصل العقاري. بمعنى أننا وفق هذه النتيجة فقط سنواجه تضاعف هذا الرصيد خلال أقل من عقد من الزمن، هذا بغض النظر عن بقية الآثار التي سآتي على ذكرها بعد هذه الفقرة. (2) قياسا على أن تلك القرارات وغيرها الهادفة لرفع القدرة الإقراضية للأفراد، وتحت ضغوط ارتفاع طلب الأفراد للمساكن، وفي غياب أي إجراءات تحد من تضخم أسعار الأراضي والعقارات (لم تصدر حتى تاريخه آليات الرسوم على الأراضي البيضاء)، أؤكد أنه قياسا على كل تلك المعطيات؛ فإن أسعار الأراضي والعقارات ستتجه إلى مزيد من الارتفاع الأكثر خطورة مما هو عليه في الوقت الراهن، وهو ما يتجاوز بآثاره الوخيمة تفاقم أزمة الإسكان إلى ما هو أبعد من ذلك بكثير، فزيادة غلاء أسعار الأراضي والعقارات تعني فورا الزيادة في تكلفة الإنتاج والمعيشة، حيث سيتبعها ارتفاع أكبر في تكلفة إيجار المحال والمراكز التجارية والمساكن، التي بدورها ستندفع دون قيد أو شرط إلى ارتفاع أسعار المنتجات والسلع والخدمات، ولك أن تتخيل خلاصة هذه النتائج على الدخل المتاح للأفراد بعد استقطاع أقساط القروض المصرفية وإيجار المسكن وتكلفة المعيشة! (3) بالموافقة على السماح بمزيدٍ من اقتراض الأفراد، وفي غياب لأي إجراءات تحد من ارتفاع أسعار الأراضي والعقارات حتى تاريخه، ماذا سيبقى من حلول في المستقبل كي نزيد من القوة الشرائية للأفراد، في الوقت ذاته الذي كما يبدو من الحلول الراهنة أنها تدافع عن الأسعار المتضخمة كي لا تنخفض؟ هل سيأتي اليوم الذي سيصبح السعر المتوسط للمسكن التقليدي في منظور الأعوام المقبلة أعلى من 5.0 ملايين ريال أو 8.0 ملايين ريال؟ وهو أمر ممكن حدوثه، حيث سبق أن حصل خلال العقد الماضي، بارتفاع متوسط تكلفة ذات المسكن التقليدي مما دون 450 ألف ريال، إلى أن وصل بمتوسط أسعار الوقت الراهن إلى 1.5-2.0 مليون ريال! (4) وبالموافقة على السماح بمزيد من اقتراض الأفراد، كيف ستواجه السياسات الاقتصادية المختلفة ارتفاع تكلفة الإنتاج وتكاليف معيشة الأفراد؟ وكيف ستواجه أيضا ارتفاع حجم المديونيات على كاهل الشريحة العاملة من المواطنين؟ وهل سيبقى لها خيارات متاحة بعدئذ للتعامل مع هذه التحديات التنموية الجسيمة، إن لم تكن الخطيرة بالنسبة لأي اقتصاد حول العالم؟ (5) ترى ما الذي سيؤدي إليه تحقق ما تقدم من آثار محتملة، أو حتى جزء منها على مستوى اتساع التباين بين دخل الأفراد (ملاك الأراضي والعقارات، بقية أفراد المجتمع)؟ إنه الجانب الأثقل وزنا على كاهل أي سياسات اقتصادية مهما بلغت قوتها، التي تسعى جاهدة إلى سد بابه قبل أن يتفاقم وتتسع هوته، فما بالنا ونحن في الوقت الراهن قد نسمح بانفتاح بوابة جحيمه المخيفة في المستقبل القريب؟ (6) أخيرا، ماذا ينتظر القطاع المالي من مخاطر بعد الموافقة على هذا القرار وما سيليه من قرارات وإجراءات تستهدف زيادة القروض على كاهل الأفراد، التي سيرافقها دون أدنى شك ارتفاع درجات انكشافه أمام تعثر الأفراد عن سداد مديونياتهم، وهو أمر لا بد من حدوثه وفق هذا السيناريو، فلن تستمر أسعار الأراضي والعقارات في الارتفاع المخيف الراهن إذا ما توقّفت قسرا نوافذ استعارها وتضخمها، ما الذي سيبقى من خيارات أمام مؤسسة النقد لحماية القطاع المالي من هذه المخاطر الوخيمة؟ إني لأرجو من أعضاء مجلس الشورى التصويت بعدم القبول، وهو القرار الأنسب في الوقت الراهن، وتأجيله إلى ما بعد إعلان آليات الرسوم على الأراضي البيضاء، التي متى ما تم إعلانها فإنها ستغير خريطة الحلول تماما، بل إنها ستفتح آفاقا لا حصر لها أمام مزيد من صناعة التطوير العقاري، وزيادة النشاط الاقتصادي وتحسّن مستويات المعيشة والتنمية عموما، وليس فقط انحسار أزمة الإسكان لدينا. والله ولي التوفيق.
إنشرها