Author

إلى وزير الإسكان «1 من 2»

|
عضو جمعية الاقتصاد السعودية
بداية أعانك الله على القيام بأعباء ومسؤوليات إحدى أهم الوزارات التنموية، التي تتطلع القيادة والمجتمع على حد سواء إلى رؤية منجزاتها الحقيقية على أرض الواقع، عوضا عن سنوات عديدة مضت؛ امتلأت بوعود كبيرة جدا، لكنها لم تشهد بصيصا لو بسيطا جدا على أرض الواقع، مقابل دعم مالي هو الأكبر في تاريخ البلاد، وصل إلى 250 مليار ريال، ثم بالدعم الأخير 20 مليار ريال، ليصل المجموع الإجمالي إلى 270 مليار ريال. لن أخوض في تفاصيل ما يتوجب عليك القيام به، فلا شك أنك منذ لحظة علمك بتعيينك وزيرا للإسكان قد بدأت التفكير العميق فيما يجب عليك فعله، والجميع -دون أدنى شك- يدعو ويتمنى لك التوفيق للعبور بملف الإسكان المؤرق إلى النهاية التي تلبي تطلعات ملايين الباحثين عن تملك مساكنهم من السعوديين، عقب سنوات طويلة من العناء وتحمل تكاليف الإيجارات المرهقة. من المؤكد أن رؤيتك حينما كنت أحد العاملين في النشاط كرئيس لإحدى شركات التطوير العقاري، ستتغير كثيرا وأنت الآن في موقع المسؤولية كوزير للإسكان، تقتضي تحقيق التوازن بين مصالح الأطراف ذات العلاقة مع وزارة الإسكان، إلا أنه سيأتي اليوم الذي قد تجد نفسك فيه أمام قرارات عديدة سيلحق اتخاذها ضررا بطرف لحساب طرف آخر! وهو الأمر الذي قد يحدث من اليوم الأول لعملك كوزير للإسكان، ولا غرابة في ذلك، فأحد أهم أسباب الأزمة الإسكانية والعقارية المحلية قد نشأ من التضارب العميق والواسع بين تلك الأطراف، وتحديدا بين ملاك الأراضي والعقارات بمختلف أحجام ملكياتهم من جهة، ومن جهة أخرى أفراد المجتمع الباحثين عن تملك مساكنهم، بمختلف شرائحهم ومستويات دخلهم من جهة أخرى. من هذه النقطة المتضاربة المصالح تحديدا؛ سيتحدد بناء على ما سيتم اتخاذه من قرارات في خصوصها، معالم الطريق الذي ستسير فيه وزارة الإسكان مستقبلا! ولتتأكد من هذه الحقيقة، تكفي مراجعة سجل أداء وزارة الإسكان منذ تأسيسها إلى اللحظة التي كلفت فيها بقيادتها، التي غلب على أدائها القصور وعدم الإنجاز، ماذا حدث؟ ومن تضرر فعليا من تأخر الإنجاز أو عدم تحققه؟ ومن استفاد منه؟ خاصة إذا تأكد لدينا وفقا للبيانات الرسمية المنشورة على موقع وزارة العدل، تضاعف أسعار أمتار الأراضي (السكني والتجاري) خلال الفترة 2011 - 2014 بعدة أضعاف، انتقل أثرها إلى العقارات المطورة بمختلف أنواعها، ومن ثم لتكلفة الإيجارات، بما فيها حتى إيجارات المساكن من شقق وفلل وأدوار مضى على بنائها أكثر من عشرة أعوام، وبعضها امتد عمر بنائه لأكثر من 20 عاما! ولم يقف الأثر السلبي لتلك الارتفاعات عند حدود زيادة استقطاعها من الدخل المحدود للفرد، بل امتدت إلى رفع تكلفة المعيشة، فحينما ارتفعت تكلفة مواقع إيجارات المحال والمراكز التجارية بصورة مبالغ فيها، بنسب ارتفاع سنوية فاقت 100 في المائة، اضطر ملاك تلك المحال والمراكز إلى رفع أسعار سلعهم وخدماتهم، ليتحمل تلك التكلفة كاملة في نهاية الأمر مجتمع المستهلكين من الأفراد. تقف مختلف الأطراف ذات العلاقة بأزمة الإسكان على مفترق كبير من الاختلاف حول أسباب الأزمة، ففريق ملاك الأراضي والمخططات ومعهم كثير من المطورين العقاريين، يرون الإجراءات البيروقراطية من قبل عدد من الأجهزة الحكومية وفي مقدمتها وزارة الشؤون البلدية والقروية خلف الأزمة، وأن التعقيدات المرتبطة بفسح البناء والتخطيط، وامتداد مواعيد انتظار الموافقة عليها لسنوات عديدة، تقف كأحد أهم الأسباب وراء الأزمة الإسكانية. أمام هذا "العذر" الذي لا يوازي بأي حال من الأحوال تفاقم الأزمة الإسكانية للحد الذي وصلت إليه؛ يحق طرح الأسئلة التالية: كيف لمن يرى هذا السبب؛ أن يفسر ارتفاع أعداد الوحدات السكنية الجديدة خلال 2010/ 2014 بنحو 1.3 مليون وحدة سكنية جديدة، على الرغم من هذه التعقيدات البيروقراطية؟ وكيف له تفسير ارتفاع أعداد المحال والمراكز التجارية للفترة نفسها بنحو 577 ألف محل؟ أي أننا أمام إجمالي وحدات سكنية وتجارية جديدة خلال الفترة يتجاوز 1.83 مليون وحدة سكنية وتجارية؟ إن إجابة موضوعية ومحايدة عن هذه الأسئلة، ستكشف حقيقة تلك التبريرات من عدمها، والخصم هنا ليس رأيا مجردا، بل هو مسنود بأرقام رسمية صادرة عن الشركة السعودية للكهرباء، أي أنها مساكن ومحال ومواقع مكتملة البناء تم إيصال الكهرباء إليها. قد يقول قائل؛ إن هذه البيانات الرسمية لا تكفي، وإن ما ذكر من معوقات لو لم توجد لكان البناء أكبر من ذلك بكثير، كون النمو السكاني في البلاد كبيرا جدا، وإن حجم الطلب على الإسكان أكبر أيضا من نمو تلك الوحدات السكنية. حسنا، لنذهب إلى البيانات الرسمية حول النمو السكاني، وتطور أعداد الأسر السعودية وغير السعودية خلال الفترة نفسها أعلاه، التي تكشف عن نمو أعداد الأسر السعودية وغير السعودية بنحو 840.8 ألف أسرة (511.1 ألف أسرة سعودية، 329.7 ألف أسرة غير سعودية)، أي أن زيادة أعداد المساكن بلغت 1.5 مرة مقارنة بزيادة أعداد الأسر خلال الفترة نفسها، وأن أعداد المساكن الشاغرة من السكان وصل إلى 559 ألف وحدة سكنية بنهاية 2014. وعليه؛ فحتى إن وفق كل من وزارتي الإسكان والبلدية والشؤون القروية في تذليل هذه العقبة، وهو أمر إيجابي دون شك، إلا أنه لن يكون كافيا لحل الأزمة الإسكانية، كون السبب الرئيس وراء تفاقمها بالصورة الراهنة، وتحديدا في التضخم الكبير لأسعار الأراضي والعقارات، إلى الدرجة التي رفعت مضاعف تكلفة شراء المسكن إلى متوسط الدخل السنوي للفرد السعودي لأعلى من 25 عاما، وهو المضاعف المرتفع جدا بمقارنته بالمعدلات العالمية التي تراوح بين 8 - 12 عاما، أي أنه ضعف المعدل العالمي بأقل الأحوال سوءا، بينما يصل إلى ثلاثة أضعاف المعدلات العالمية في مستوياتها الدنيا، مع عدم الأخذ في الاعتبار نسب تملك السكان للمساكن في تلك البلدان، التي تراوح فيها بين 70 ـــ 90 في المائة، التي تتجاوز بكثير نسبة تملك السعوديين لمساكنهم البالغة 37 في المائة فقط! لهذا، نحن يا وزير الإسكان وأنت في مقدمتنا، أمام أزمة تنموية يقف وراءها سبب آخر، هذا السبب وقف وراء حتى ارتفاع نسبة استئجار الأجهزة الحكومية مقارها بما فيها مقر وزارة الإسكان! إنه احتكار الأراضي ولا سواه، التي كشفت بيانات أمانات المناطق والمدن ووزارة العدل، أن حتى المتداول منها بيعا وشراء لم يتجاوز 5.1 في المائة من إجمالي مساحة المدن الرئيسة! وأن نسبة الأراضي البيضاء المحتكرة داخل تلك المدن وصل إلى 50.5 في المائة من إجمالي المساحة. إذاً والحال تلك؛ ماذا غير قرار الرسوم على الأراضي، الذي وافق عليه مجلس الوزراء بناء على توصية مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية، قد تراه يحرر تلك المساحات الشاسعة من القيد الشديد للاحتكار؟! فهي نقطة البداية التي يجب على وزير الإسكان الانطلاق منها قبل وضع أي مقترحات أخرى، وأن المهمة الأولى تتمثل في سرعة إقرار الآليات التي تنظم تطبيق تلك الرسوم، وكونها العامل الأقوى لتسهيل أي مقترحات جديدة لحل أزمة الإسكان! وأكمل الحديث بمزيد من التفاصيل في الجزء الثاني بمشيئة الله تعالى. والله ولي التوفيق.
إنشرها