Author

الرد الناري على الزميل مشاري

|
أثار مقال للزميل مشاري الذايدي في "الشرق الأوسط" بعنوان "امنعوا «تويتر» من هذا" عاصفة من الغضب، على "تويتر". ليس غريبا أن الغاضبين هم من مختلف الفئات والتيارات. وكأن الجميع يتفقون لأول مرة، وبهذا الشكل من التماهي بالآراء. أما لماذا غضب الناس فالسبب بدهي، وهو أن "تويتر" منبر وبرلمان بديل ومتنفس ومصدر تواصل وأخبار، خاصة بالنسبة لمجتمعات لديها عوائق كبيرة في مسألة التواصل والمنابر، لأسباب مختلفة. "تويتر" قدم خدمة تاريخية للمرحلة وللدراسات والتشخيص والتقييم ودراسة الشخصيات والأفكار وتطورها. رأي الزميل مشاري يتفق مع "الباب اللي يجيك منه الريح، سده واستريح"، أو كما قال "إغلاق الماسورة". عمليا، الفكرة مثل جرح مفتوح يلف ولا يطهر ويعالج. وسيكولوجيا، المنع لا يوقف المتحمسين بل يؤجج الرغبة. وتقنيا، سيفتح المجال للتحايل على المنع بشتى الوسائل، تماما كما حدث مع زمن البروكسيات، أو حتى ما حدث مع منع تطبيق "فايبر" أخيرا. قبل شهر كنت مسافرة على متن طائرة الخطوط الإماراتية إلى مطار لندن هيثرو. وقبل الهبوط، أعلن داخل الطائرة أن الباب لن يفتح قبل أن يقدم أحد الركاب نفسه إلى الطاقم والأمن الذين ينتظرون أمام الباب. تكرر الإعلان عدة مرات بعد الهبوط، وساد الصمت ولم يتقدم أحد، وما زال الباب مغلقا والخوف في عيون الركاب الصامتين في مقاعدهم بأن ثمة أمرا جللا سيحدث. إلى أن جاء إعلان أخير بفتح الباب وإطلاق سراح الركاب، وكانت هناك عناصر يبدو أنها أمنية تقف بالخارج. توقعت كما توقع من حولي أن للأمر علاقة بمشتبهين بالإرهاب، خاصة أن بريطانيا لديها نحو ثلاثة آلاف على القائمة ما بين إرهابيين منضمين للقتال في منطقتنا، أو من هم تحت المراقبة. ولا عجب أن أغلبهم بريطانيون مسلمون من أصول آسيوية. في النهاية يبقى الشعور مخيفا أن يصبح العالم غير آمن. لكن بريطانيا لن تفكر في منع "تويتر" ولا أشباه "تويتر". ولا بد أنها تتعامل، كما قد تفعل أمريكا، مع الوسيلة كمصدر للمعلومات والمراقبة والتتبع وتحديد المواقع. وإذا كان القضاء على "تويتر" يعني مصادرة حريات الناس، فإن "تويتر" وغيره من وسائل التواصل لا تمثل صيغة للتواصل فحسب، بل تمثل حقبة زمنية مختلفة تماما، لا يمكن الخروج منها هكذا ببساطة. نحن في العصر السايبري، والمطلوب الآن هو التماهي مع الزمن. خروجنا منها هو خروجنا من آلة الزمن، بحجة أن هناك تسربا من مجتمعنا. تسربات مجتمعنا لا تحتاج إلى إغلاق الماسورة المسربة، بل إصلاحها. العالم لا يسير عقودا إلى الوراء. ومن يكون بحد ذاته قابلا للانصهار الداعشي هو ليس في حاجة بالأساس إلى "تويتر" لأنه مستعد بقابلية راسخة كثمرة ناضجة وجاهزة للقطف. "تويتر" ليس إلا وسيلة كشف كبيرة، تماما مثل جهاز كشف المتفجرات أو المعادن. والماسورة هي عملية "تصريف" لا صناعة. وإذا كان هناك أكثر من 40 ألف حساب داعم لـ «داعش» موجود على "تويتر" كما قال مارك والاس، رئيس مشروع مكافحة التطرف في أوروبا، لـ "الشرق الأوسط"، فالبدهي أن هناك حلولا تقنية تمنع الإنترنت على الدواعش أنفسهم كخيار، وهذا بيد القوة العظمى أمريكا، سواء إغلاق حساباتهم التويترية المرصودة، أو قطع شبكة الإنترنت أو تشويشها على مواقعهم.
إنشرها