Author

التشهير .. العقوبة الأصعب على التجار

|
وضع المشرع عددا من العقوبات على المخالفين في مجال التجارة، وهي مرتبطة بنوع المخالفة المتحققة والثابتة بحق من قام بها. ومن ضمن هذه العقوبات التشهير بالمخالف، ويكون التشهير عقوبة إضافية لمن صدر بحقه حكم اكتسب الصفة القطعية وأصبح نهائيا. والتشهير هو إعلان للعامة عن جريمة المحكوم عليه، باعتبار أن هذه العقوبة إضافية إلى ما صدر عليه بخصوص مخالفته. وكما هو معروف أن تنفيذ بعض العقوبات في الشريعة الإسلامية يتم في العلن وأمام الناس، خاصة في الأمور المتعلقة بمصلحة العامة. مثل حد السرقة، حيث يهدف التشهير في مثل هذه الجريمة إلى ردع الآخرين ممن تسوّل لهم أنفسهم فعل هذا الفعل المُجَرَّم. إذ ليس الهدف هو فضح المجرم أمام الناس بل ردع الآخرين من هذا الفعل. وكان المطبق قديما قبل الإسلام، هو المناداة على المجرم بذنبه الذي اقترفه، وتكون المناداة في الأسواق وأمام العامة. وفي هذا الشأن فإن وزارة التجارة والصناعة استخدمت "فَعَّلت" هذا الأسلوب خلال الفترة الماضية. وللعلم فقد صدر نظام مكافحة الغش التجاري بالمرسوم الملكي رقم (م/19) بتاريخ 23/4/1429هـ، وحل بديلا عن النظام السابق الصادر بتاريخ 29/5/1404هـ بالمرسوم الملكي رقم (م/11)، الذي نص صراحة في المادة (20) من النظام القديم على "تشهر وزارة التجارة بالمُخالف الصادر ضده قرار نهائي بالإدانة طبقا لأحكام هذا النظام ولائحته بوسيلة على الأقل من وسائل الإعلام ويكون النشر على نفقة المحكوم عليه"، وهنا يتضح سبب استخدامي لكلمة "فَعَّلت" لأن النص كان موجودا منذ 30 سنة. أما النظام الجديد فقد نص صراحة في مادته (25) على "ينشر على نفقة المحكوم عليه ملخص الحكم النهائي بالإدانة في إحدى المخالفات المنصوص عليها في المواد السابقة في جريدتين يوميتين تصدر إحداهما في المنطقة التي وقعت فيها المخالفة أو أقرب منطقة لها". وتحدثت المادة (26) من اللائحة التنفيذية عن إجراءات سحب المنتج المغشوش وطرق نشر الإعلان "التشهير". من خلال عرض نصوص النظامين، القديم والحديث، نجد أن المشرِّع لم يتوان في مسألة وضع عقوبة التشهير، وهو أسلوب معتد به في أغلب تشريعات الدول الأخرى خاصة في المسائل المرتبطة بالتجارة. لكن العنصر المتغير والملاحظ لدينا هو مسألة التطبيق والتنفيذ من قبل السلطة التنفيذية، وأقصد بذلك وزارة التجارة والصناعة. وما قامت به وزارة التجارة والصناعة هو استنادا إلى قوة القانون في تنفيذ إحدى العقوبات المنصوص عليها، وما دعم ذلك هو الأمر السامي الصادر في عام 1432هـ بالتشهير بالمتلاعبين في الأسعار. وهذه حسنة إضافية تحسب للدكتور توفيق الربيعة وزير التجارة والصناعة، وموقفه الإيجابي في استخدام الأنظمة في ضبط السوق لمصلحة المستهلكين. وقد قرأنا كثيرا من إعلانات التشهير هذه في الصحف، ومن ضمنها أيضا التشهير بمن يقوم بتحرير شيك دون رصيد، وصدر بحقه حكم نهائي مكتسب القطعية. هذه الإعلانات تجعل المشهّر به في حرج بشأن تعاملاته المستقبلية، وخاصة إذا كان تاجرا. وجميعنا نتذكر الضجة الإعلامية ــــ خاصة في وسائل التواصل الحديثة ــــ التي حدثت منذ شهر في أضخم محال بيع المعدات الإلكترونية عندما تم إقفال عدد من فروعها نظرا لوجود مخالفات في الأسعار، وخسر سهم هذه الشركة نسبة كبيرة من قيمته في السوق المالية، والخسارة الأكبر هي ثقة المستهلكين بهذه المحال، وهذا ما جعل المحال المماثلة تفكر مرتين إذا رغبت في ارتكاب مثل هذه المخالفات. ختاما، أود توضيح أن تنفيذ عقوبة التشهير يجب أن يتم بناء على حكم قضائي، نظرا لأثرها الكبير، ويجب أن تكون تحت ضوابط الأنظمة وفي حدودها المنصوص عليها صراحة. لذا نجد أن الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد ــــ على سبيل المثال ــــ لا تمتلك حق أو سلطة إصدار أمر بالتشهير إلا بعد صدور حكم قضائي على المتهم، فليس بيدها إلا إحالة الأمر إلى هيئة الرقابة والتحقيق. لذا، يجب على وزارة التجارة والصناعة التنبه إلى هذا الجانب، فكثير من التجار قد يرجع على الوزارة بجبر الضرر في حال تم التشهير دون حكم قضائي أو سند نظامي صحيح. وقد يتم إغلاق المحال لضبط المخالفة فقط، لكن تقوم وسائل الإعلام بنشر الموضوع وهذا ما يجعلها تحت طائلة المساءلة والمطالبة بجبر الضرر إذا تمت الإشارة إلى الاسم أو صورة المحل.
إنشرها